دمشق-سانا
تشكل المجتمعات التي تتعرض لأزمات مختلفة بيئةً خصبةً للأخبار المزيفة،بهدف التأثير وتشكيل الرأي العام إلى أن أصبحت أحد أهم استراتيجيات القوى الغربية التي وظفتها من خلال وسائل الإعلام المختلفة لتحقيق أهدافها في السيطرة على تلك المجتمعات.
عدد من المختصين في الإعلام السوري والروسي تحدثوا عن تأثير الأخبار المزيفة في الرأي العام، ومحاولة بعض الدول استخدامها انطلاقاً من مصالحها الضيقة من خلال تضخيم الحقائق وتزييف المعلومات، مشيرين إلى دور الحرب الدعائية الغربية ضد روسيا وسورية.
التضليل الإعلامي… مفهومه وتأثيره..
وفي تصريح لـ سانا أوضح رئيس قسم الإذاعة والتلفزيون في كلية الإعلام بجامعة دمشق الدكتور عربي المصري أن التضليل الإعلامي هو أداء الوسيلة لمهمة معينة تجردها من لقب الإعلامية، جراء استخدامها الشائعات، وتلفيق الأخبار وفبركة الحقائق، والتدخل في بنية المعلومة، وتعديل سياقها بما يتناسب مع هدف هذه الوسيلة، وعدم الاكتفاء باختيار الزوايا التي تناسب توجهاتها، وذلك لتحقيق أهداف غير شرعية، لافتاً إلى أن التضليل الإعلامي الذي تمارسه بعض وسائل الإعلام ينتهك ميثاق الشرف الصحفي، وأخلاقيات ممارسة المهنة، التي يجب أن تلتزم بها أي وسيلة إعلامية.
وخلال مشاركتها عبر تقنية الفيديو بورشة عمل أقيمت في الـ 27 من آذار الماضي بجامعة دمشق، بالتعاون بين كلية الإعلام ووكالة أنباء وراديو سبوتنيك الروسية، تحت عنوان (ظاهرة الأخبار المزيفة وتأثيرها على وسائل الإعلام الحديثة) عرفت نائب مدير المديرية العامة للإعلام في المجموعة الإعلامية “ار تي” فيكتوريا بوليكاريوفكا الأخبار المزيفة بأنها الأخبار التي تعتمد على معلومات كاذبة ومضللة تقدم على أنها حقيقة مطلقة، وعلى استغلال المشاعر الإنسانية لخدمة أهداف سياسية من خلال فبركة العديد من الصور، وهذا ما اتبعته الولايات المتحدة الأمريكية ضد روسيا في عملياتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا.
ولفتت بوليكاريوفكا إلى أن الإعلام أصبح أداة مهمة تواجه فيها الولايات المتحدة والغرب الدول التي لا تنضوي تحت سياستهم، في ظل امتلاكهم ماكينة إعلامية كبرى، واستخدامها أيضاً في تسويق قوتهم الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية، وذلك من خلال الاعتماد على المواقع الإلكترونية بشكل كبير.
ورأى مدير التعاون الدولي في المجموعة الإعلامية “ار تي” فاسيلي بوشكوف خلال مشاركته بالورشة ذاتها: أنه ليس كل المتلقين يستطيعون التفريق بين المعلومات الحقيقية أو المضللة، الأمر الذي يؤدي إلى وقوعهم في فخ الأخبار المزيفة، مشيراً إلى حالة عدم التوازن التي تشهدها السوق الإعلامية جراء سيطرة الدول الغربية على تدفق الأخبار، وهيمنتها على وسائل الاتصال الحديثة وأبرزها التواصل الاجتماعي.
نماذج من التضليل الإعلامي..
قدم الدكتور عربي المصري عدة نماذج حول التوظيف السياسي للدعايات الإعلامية في العالم، والتي أدت إلى حصول أزمات وحروب عديدة كالتي استخدمتها وسائل الإعلام الغربية خلال سنوات الحرب في سورية عبر فبركة العديد من الصور لتأجيج المشاعر الإنسانية، ومن أبرزها استخدام وسائل إعلام ألمانية لمشهد تمثيلي يظهر طفلاً ينقذ أخته من القصف، ويحاول عدة مرات سحبها من تحت الركام لمكان آمن، وتصويره على أنه حقيقي.
وأضاف المصري: بات التضليل الإعلامي أداة مستخدمة من الإعلام لحشد الرأي العام ضد أي قضية مطروحة، وهذا ما مارسه الاحتلال الإسرائيلي من خلال فبركة صور لجنود إسرائيليين يدعون أنهم مصابون بجروح خطيرة لتأجيج الرأي العام العالمي وحشد التعاطف الدولي ضد المقاومة الفلسطينية.
وتعليقاً على صورة قديمة لعمال أمريكيين في عام 1950 توثق جلوس 11 عاملاً يتناولون وجبة الغداء على ممر حديدي يربط بين ناطحتي سحاب على ارتفاع أكثر من 200 متر عن سطح الأرض أشار بوشكوف إلى استراتيجية الأمريكيين في تسويق تقدم الإنسان الأمريكي، والتأكيد على مدى وصول الرأسمالية إلى مرحلة عالية من التطور التكنولوجي.
وفي السياق نفسه أشارت بوليكاريوفكا إلى تزييف الإعلام الغربي للحقائق القادمة من أوكرانيا، التي تتهم الجيش الروسي بارتكاب جرائم بحق النساء والأطفال، في محاولة لإضعاف معنويات الجنود الروس.
وعن أشكال التضليل الأخرى التي مارسها الغرب لفتت بوليكاريوفكا إلى زعم تلك الوسائل وجود وثائق تشير إلى تحميل الاتحاد الروسي مسؤولية الخلاف الحاصل بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في أمريكا، ومحاولة التدخل في الانتخابات الرئاسية فيها، كما قامت بنشر معلومات مضللة حول وجود الأسلحة الكيميائية في سورية، معتمدة على تصوير شخص اعترف فيما بعد بأن الخبر مفبرك.
سبل مواجهة التضليل الإعلامي..
الدكتور عربي المصري أشار إلى أن تعزيز قدرة المتلقين على التعامل مع التفكير الناقد والرسالة الاتصالية بذكاء، دون إمكانية اختراقهم أو التأثير بهم، من أهم أساليب مواجهة التضليل، وذلك لكشف غاية المرسل، وموقفه من الرسالة الاتصالية، مؤكداً ضرورة تدريب الجمهور على التعامل مع التضليل الإعلامي من خلال نشر نماذج توضح الأساليب التي تتبع في تزييف الأخبار، ومقارنتها بالأخبار أو الصور الصحيحة.
في حين رأى بوشكوف أن الأخبار المزيفة تنتشر بشكل كبير خلال الحروب والأزمات، وبالتالي تزداد مسؤولية الصحفيين في البحث عن الحقائق ونشرها، فمهمتهم مقتصرة على نقل المعلومة فقط دون أي رأي فيها.
من جهتها لفتت بوليكاريوفكا إلى أهمية امتلاك المعلومات الدقيقة وتوثيقها والابتعاد عن المصادر المشبوهة، والتحري عنها في ظل تدفق الأخبار التي يسيطر عليها الإعلام الغربي، وتسويق الصورة التي تناسب سياسته، وترى أنه يجب التشكيك بصحة بعض الأخبار حتى بأبسط المعلومات، ومحاولة التأكد منها بالتشاور مع الخبراء.
محمد السليمان
متابعة أخبار سانا على تلغرام https://t.me/SyrianArabNewsAgency