حمص وحلب-سانا
لا تزال الأم السورية تثبت قدرتها على العطاء ومواجهة الصعاب، ووضع بصمتها أينما حلت، وعلى حملها لأعباء تضاف إلى رصيدها يوماً بعد يوم، فها هي اليوم تستقبل عيدها، وهي تلملم جراحها بكل ثبات بعد كارثة الزلزال التي تعرضت لها البلاد في السادس من شباط الماضي.
ولأن الأمهات أوطان صغيرة نلجأ إليها لنأمن ونسكن، استطاعت الأم السورية في الأسر المتضررة من الزلزال أن تكون هذا الملجأ، وأن تستكمل مسيرة عطائها وإصرارها بزرع الأمل في نفوس أبنائها، والعمل كل يوم لمواجهة تداعيات هذه الكارثة على أسرتها ووطنها، وهو ما أكدته العديد من الأمهات الوافدات إلى محافظة حمص هن وعائلاتهن المتضررة من الزلزال.
وفي لقاءات مع مراسلة سانا أكدت عدة أمهات من الموجودات في حمص بعد أن دمر الزلزال منازلهن في حلب واللاذقية أنهن لم يستسلمن لليأس والحزن وتجاوزن المحنة بقوة وصبر وإيمان، ومنهن آمال المصري التي جاءت من اللاذقية بصحبة طفليها إلى منزل والدتها بعد انهيار جزء من منزلها، وقالت: “لحظات صعبة عشتها مع أطفالي آنذاك، لكنني لم أسمح للخوف أو التشاؤم أن يتسلل إليهم، وسارعت رغم الضغط النفسي الكبير وبمساعدة أمي ودعمها الدائم أن أستعيد هدوئي، وأغرس الأمل في نفوس أبنائي وإعادة إلحاقهم بالمدارس لمتابعة تعليمهم”.
السيدة صباح الحج علي أم لشهيدين، استقبلت ابنتها القادمة من حلب مع أولادها، واستطاعت أن تبلسم جراحهم بعد كارثة الزلزال، عبر الدعم النفسي والاجتماعي، لافتة إلى أن الأم لا تتحمل الشدائد فقط، وإنما تتقاسم مع أبنائها مصابهم، تُقدم لهم الدعم المعنوي بما يسهم في التخفيف وإزالة همومهم وتقوية عزيمتهم.
خديجة نحاس التي لجأت برفقة ابنتيها إلى منزل شقيقتها بعد انهيار منزلها جراء الزلزال قالت: “إن عيد الأم هذا العام بارد وحزين لكن شعوري بالمسؤولية تجاه ابنتي يحتم علي تجاوز ذلك، والتغلب عليه بالإيمان بقضاء الله وقدره، وبمواجهة الظروف الجديدة التي فُرضت علينا بشكل مرن يضمن الاستقرار النفسي لعائلتي، فأنا ملجأهما الآمن”.
وفي حلب أجرت مراسلة سانا لقاءات مع عدد من الأمهات اللواتي سندن عوائلهن في كارثة الزلزال، حيث أوضحت المهندسة والوالدة ذكرى حجار أن الأم دائماً مدرسة وقدوة لأطفالها، وأنها منذ لحظة وقوع الزلزال أول ما فكرت فيه هو أولادها وقامت بدورها كأم، ومع ذلك ومن اليوم الأول انطلقت للقيام بواجبها الإنساني فتواصلت مع الأصدقاء، وبدأت بتقديم الدعم المادي والمعنوي للأشخاص المتضررين بمبادرات فردية بسيطة من تأمين سكن مؤقت للعائلة أو مبالغ مالية بسيطة.
الموظفة الأم غادة درويش أكدت أن لحياة الأم مشاقا جعلت منها شعلة لا تنطفئ، ويوم الزلزال كان يوماً استثنائياً تطلب منها جهداً مضاعفاً، فالأطفال تنظر للأهالي كقدوة في هذه المصائب، فحافظت على أعصابها، وقامت بتأمين أطفالها وتوعيتهم كحال جميع الأمهات هناك.
وبدأت رهام محرم (أم لطفلتين) وهي عاملة في مجال الدعم النفسي الاجتماعي، حديثها بالقول: “كارثة لم تكن في الحسبان.. إنه الحدث الذي ألقى علينا حملاً آخر كأمهات، فكان لزاماً علينا أن نكون أكثر ثباتاً وقوة في كل الأحداث المتتالية بعد الزلزال”.
ووصفت السيدة أنطوانيت بلدي عيد الأم هذا العام بالمختلف بقولها: “من البديهي أن أتلقى التهاني بعيد الأم كل عام من بناتي الثلاث، ولكن ما يُثلج الصدر وينسيك تعب العمل التطوعي ضمن مراكز الإيواء بعد كارثة الزلزال أنك تتلقى المعايدات من مئات الشبان والشابات الذين كوّنا رابطاً إنسانياً معهم”.
عائشة عبود التي تعاني من مرض السرطان وتوجد في مراكز الإيواء ذكرت أن العيش في مركز الإيواء حمّلها مسؤولية لتخفيف آثار الزلزال السلبية في نفوس بناتها والأسر التي تعيش ونتقاسم معها المعاناة، فكانت أما لمن حولها وليس لعائلتها فقط.
وأشارت آلاء قصر إلى دور الأم في بث الأمان بين أطفالها ومن خلالهم لمحيطهم، معتبرة أن ذلك هو الهدية المعنوية التي تضاهي كل ما يمكن أن يُقدم للأم بعيدها.
مغنية الأطفال صونا سلوكجيان أعربت عن سعادتها باستقبال معايدات عديدة من أطفال مراكز الإيواء الذين التقتهم، عبر فقرات غنائية في برنامجها للدعم النفسي والذي ساهم في إزالة الخوف وبث الطمأنينة في قلوب بناتها المشاركات في فرقتها وقلوب أطفال حلب.