اللاذقية-سانا
حالات انسانية مختلفة حاول المشاركون في معرض الربيع الجماعي تجسيدها عبر بورتريهات حملت في ملامحها الكثير من أحاسيسهم و مكنوناتهم الداخلية معتمدين على الوجه الانساني كشكل تعبيري هو الأكثر قدرة على ترجمة المشاعر الدفينة بصدق وعفوية و ذلك من خلال ثلاثين لوحة متنوعة الأحجام عرضت على جدران مقهى “الأبي رود” اشتغل عليها 15 فنانا تشكيليا شابا وطالت في معظم موضوعاتها ما له صلة بواقع الانسان السوري ضمن انماط كلاسيكية وتجريدية وتعبيرية.
وذكر سالم سلمان منظم المعرض في حديثه لنشرة سانا الشبابية أن البورتريه هو ملك المعرض هذا الموسم بلا منازع ربما لأنه الأقدر على ايصال المضامين التي أراد الفنانون تكريسها في لوحاتهم و التي يمكن اعتبار كل منها مشهدا انسانيا متكاملا موضحا أن بعض اللوحات تحمل لمسات اقرب للغرافيك منها للتصوير وهذه اللوحات تحديدا تعكس بعدا وجدانيا عميقا من حيث قدرتها على رصد الظرف الاجتماعي المحيط و الذي تأثر به الفنانون بشكل كبير.
وأضاف سلمان أن الفنانين طرحوا انفسهم بطرق مختلفة حيث كان للبعض منهم تجارب سابقة ضمن لجنة المقهى و جاءت مشاركتهم هذا العام لتسجل تقدما ملحوظا من ناحية التركيز على المفهوم ضمن اللوحة مشيرا الى انه لم يتم وضع معايير معينة للمشاركين الجدد من خريجي معاهد و كليات الفنون ممن يقدمون انفسهم للمرة الأولى بل ترك الخيار مفتوحا أمامهم للتعبير عن أساليبهم المختلفة والتي شكلت اضافة جديدة و بصمة خاصة للمعرض.
أربعة أعمال ذات طابع واقعي قدمتها الفنانة الشابة زينة بدران اعتمدت اثنتان منها على نسخ لوحة صندوق باندورا للفنان توماس كينيغتون ولوحة أخرى لـ “داوديرين” بعنوان القديس حيث أكدت بدران أنها وضعت شيئا من روحها في تفاصيل اللوحات دون الاكتفاء بالنسخ الحرفي بالإضافة الى عملين آخرين باستخدام الفحم و ركزت فيهما على الملامح الموحية في الوجه.
وقالت تتيح لي المعارض الجماعية مساحة لابراز تقنياتي في الرسم والمستوى الفني الذي وصلت اليه رغم ان تركيزي على البورتريه في الأعمال التي أنجزتها لم يكن غاية او قصدا بل لكونه الاعمق من حيث نقل المشاعر والتركيز على التفاصيل.
كذلك شاركت الشابة شمس درويش بلوحة واحدة كان لها وقعها الخاص بين جملة الاعمال المعروضة نظرا لتنوع تقنيات الشغل الفني مابين الخط والتنقيط وإبراز الجزئيات والعناصر الصغيرة لخلق كتلة لونية كبيرة فاعتمدت على الأرضية المائية في الألوان بالإضافة إلى طبقة مشغولة بالوان حبرية ممدة بالماء أما الطبقة الأخيرة فنفذتها بضربات قلم الفلوماستر.
وأشارت درويش إلى انها اعتادت الرسم باستخدام الأحبار مستثمرة التناقض بين الابيض والاسود و لذلك فقد سعت لدى ادخال الألوان إلى لوحاتها هذه المرة إلى استخدام أقلام حبر ملونة تساعدها على إبقاء هذا التغاير اللوني و الحفاظ على الخط الذي تتبعه موضحة ان هذه هي المرة الأولى التي تشتغل فيها على لوحة بالحجم الكبير و هو ما شكل نقلة نوعية في عملها.
من جهته أوضح محمد أبو عجيب أن لوحات البورتريه التي شارك بها ركزت على الالوان التي تعبر عن شيء كامن لدى كل ناظر إلى اللوحة و لذلك فإن المتلقي حر في تأويل العمل و تفسيره من زاويته الخاصة فالبعد التعبيري في لوحاته متسع إلى حد كبير بما يخدم الفكرة ويدعم المقولة التي تنطوي عليها مؤكدا أن الفنان قادر على تنويع العنصر التعبيري في اعماله من خلال تحوير الشكل الخارجي الامر الذي ظهر جليا في احد بورتريهاته التي اهتمت بإبراز العيون بما ينسجم مع الحركة المنحنية للخط كما أن الألوان في البورتريه الثاني كانت طاغية بشكل كبير بحيث كان حضور الوجه بسيطا دون التركيز عليه كعنصر رئيسي في اللوحة.
من ناحيته أثنى الناقد الفني بولص سركو على التجارب الشبابية المقدمة لافتا الى السوية العالية التي تحملها مضامين اللوحات والتي تعادل الى حد كبير تجارب فنانين محترفين في الفن التشكيلي.
و قال سركو هناك تفصيل جديد يظهر في كل عمل من حيث القدرة على التجريد والانتقال بين الكتل الكبيرة والصغيرة كما ان هناك مشاركين وفروا كامل متطلبات العمل الفني في أعمالهم مع نقص بعض التفاصيل الصغيرة انما يمكن التأكيد على ان المعرض خلق حالة من التفاعل بين الجمهور والفنانين الذين يجسدون حالات تعبيرية متميزة رغم صعوبة تكثيف التعابير في تفاصيلها الدقيقة.
ياسمين كروم