الشريط الإخباري

الملف النووي بين الثبات الإيراني والمناورات الغربية الاحتيالية-صحيفة الثورة

بات واضحاً من التسريبات أو من المواقف المعلنة حول الملف النووي الإيراني أن أمره حسم فيما خص الملف بذاته، والعالق فيه شيء من المرفقات والرغبات، ونذكر بان المشكلة الأساس التي اتخذها الغرب ذريعة لملاحقة إيران وتطويقها بسلسلة من العقوبات المتعددة العناوين والمصادر، إن المشكلة الأساس هي ما يدعيه من «خشية من امتلاك إيران للقنبلة النووية أو لقدرات تصنيعها لحظة تشاء» وهذا الأمر بات جلياً لدى الطرف الدولي المفاوض لإيران في إطار 5+1 وبشكل أساس أميركا التي تحل محل الجميع في المفاوضات الآن.‏

ومع ذلك يؤخر التوقيع لأمرين: العقوبات المفروضة والمتخذة أداة ضغط على إيران للحصول منها على تنازلات أخرى في ملفات بعيدة عن الملف النووي ذاته وهي عقوبات فرضها مجلس الأمن والاتحاد الأوربي وأميركا ذاتها بقوانين من الكونغرس أو قرارت من وزارة الخزانة، وتريد دول الغرب إبقاءها نافذة طيلة الفترة التي تراها مناسبة (هي تحدد المهلة) وأن تنظر في أمرها مستقبلاً بشكل تدريجي قد يستغرق عشر سنوات والثاني يتعلق بالسلوك النووي الإيراني المستقبلي لجهـــــــة‏

طلب الغرب تجميد أي بحث أو تطوير للبحث النووي حتى في المجال السلمي لمدة عشر سنوات. فاذا فرضنا أن إيران وافقت على الطرح فما الذي تكون كسبته من التفاوض؟‏

في العام 2003 عندما حل الثلاثي الأوربي على طهران للبحث في ملفها النووي مستفيداً من متغيرات دولية متصلة بالانتشار العسكري الأطلسي في أفغانستان، وبالاحتلال الأميركي للعراق، وبعد نقاش مستفيض قبلت إدارة الرئيس محمد خاتمي الانضمام إلى اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية، والدخول في تفاوض مع الغرب حول ملفها وصولاً إلى وضع اطر وصيغ تضمن عدم حصول إيران على السلاح النووي. فما الذي حصل بعد ذلك؟‏

ما إن انضمت إيران إلى المعاهدة وفتحت منشآتها للتفتيش، حتى تصاعدت شهية الغرب للتدخل في الشأن خارج ما تنص عليه المعاهدة ثم رفع عصا العقوبات التي أدت وبشكل تصاعدي خلال السنوات العشر الماضية إلى إلحاق الضرر بالاقتصاد الإيراني دونما مبرر ثم أحدث الغرب حول إيران جواً من التهديد بالحرب والتدمير والاجتياح العسكري إن لم تستسلم لأوامره, لكن إيران صمدت وصبرت وتحملت وحولت التحدي والتهديد إلى فرصة بشكل يمكن الباحث الموضوعي أن يقول إن إيران انتصرت في المواجهة على اتجاهاتها الثلاثة: فهي تابعت التقدم في الملف النووي بثبات، وطورت قدراتها العسكرية المتعددة الجوانب حتى امتلكت قوة ردعية جعلت من التهدد العسكري الذي يوجه إليها نوعاً من المزاح أو الحمق، وخاضت بنجاح معركة التصنيع للاكتفاء الذاتي وحققت عبرها الكثير من الإنجازات.‏

أذكر بهذا لألفت إلى خداع الغرب واعتماده سياسة «هذا لا يكفي» ولأقول إن إيران ليس لديها الآن ما تخشاه إذا لم توقع مع الغرب، كما أن إيران أن لم تحصل على موافقة غربية صادقة برفع كل العقوبات لا تكون حصلت على شيء، لأن الخطر العسكري الذي كان يلوح به الغرب أصبح بعيداً حتى وغير منظور وقدرات إيران النووية باتت مؤكدة لا جدل حولها.‏

وفضلاً عن ذلك فان صمود إيران مع محور المقاومة في مواجهة العدوان الذي يستهدف هذا المحور منذ أربع سنوات، وتطور الصمود إلى امتلاك القدرة على العمل الاستباقي بما يؤشر إلى إحداث متغيرات إقليمية مؤكدة لمصلحة هذا المحور في أكثر من ميدان في منطقة الشرق الأوسط، إن كل ذلك يجعل إيران في موقع قوة يحميها من خطر التراجع أو التنازل مهما كانت الضغوط.‏

لقد ادعى الغرب في تشرين الثاني أكتوبر 2014 انه بحاجة لوقت ما لأجل تسويق الاتفاق لدى خصوم إيران وأعدائها في المنطقة ومساعدتهم على هضمه فحصل تمديد التفاوض، لكنه جاء الآن ليلعب لعبة توزيع الأدوار فيما خص العقوبات والمراقبة، لعبة لو نجحت تكون إيران أعطت الغرب ما يريد دون أن تحصل على شيء مهم سوى نجاح معنوي بإقرار دولي بحقها النووي وبشكل محدود مترافقاً مع تنازل إيراني عن الحق بمتابعة البحث العلمي للتطوير الذي يقتضيه التقدم.‏

من الطبيعي أن ترفض إيران المناورات الغربية وقد كان السيد الخامنئي واضحاً وقاطعاً في ذلك. وهي مناورات الربع الساعة الأخيرة، وتتمسك برفع العقوبات كلياً مهما كان مصدرها وأن ترفض التنازل عن حقها بالبحث والتطوير في المجال السلمي، من الطبيعي أن تفعل ذلك مستندة على حقائق ثلاث، قوتها الذاتية التي تمنع الحرب عليها، وقدرتها على التطوير العلمي النووي، وقدرات محور المقاومة وحجم فضائه الاستراتيجي الجديد الذي بات يشغل أكثر من نصف منطقة الشرق الأوسط.‏

نقول ذلك مع يقيننا بان الاتفاق المذكور مرجح التوقيع لأنه بات مصلحة غربية أكثر مما هو مصلحة إيرانية وبشكل خاص أميركيا ولأوباما شخصياً، وإيران تعرف ذلك، لهذا تتقن التعامل مع تلك المناورات التي يحاول أصحابها الحصول على اقصى ما يمكن في الملف وخارجه، ولكننا نعتقد بان الفشل سيكون حليف الغرب في مناوراته. فإما أن يكون اتفاقاً متوازناً يعيد لإيران حقوقها كاملة وهذا ما نرجحه، أو لا يكون اتفاقاً وهذا مستبعد إلى حد ما، وهنا يكون يعمل بسياسة الأمر الواقع التي برعت إيران في إعمالها، مستندة هذه المرة إلى متغيرات إقليمية ودولية تصب في مصلحتها، تقوم بذلك وهي واثقة أنها ستدخل هي والمنطقة في الحالتين في عهد جديد يناسبها ولا يخيفها.‏

بقلم: أمين حطيط