الشريط الإخباري

الاستثمار السياسي.. والمتغيّرات-صحيفة تشرين

تتكاثر التصريحات التي تضع الأولويات للحلول السياسية للأزمة في سورية، في الوقت الذي ينظر إلى ذلك بالعين الناقدة التي تستطلع الأفعال قبل الأقوال… فالأقوال التي يفترض أن ترتهن في كل جوانبها الى تطبيقات فعلية على أرض المنطقة عامة…. وسورية خاصة، بما تحمل من معاني الخروج من أزمة الحرب الكونية على سورية، بعيداً عن التجاذبات التي تطرحها الدول الاستعمارية، معرقلة فيها حتى اللغة الساعية الى الحل السياسي، ربما من منطلق تبادل الأدوار حيناً، وإرساء بعض المعايير المزدوجة حيناً آخر.

فكل الظن على أرضية المعطيات ينبي بأن اللغة الاستعمارية المستهجنة حتى للتصريحات التي تتبادل معها الأدوار، لا تترك مجالاً للسير قدماً في طريق المسار السياسي المطلوب لحلّ هذه الأزمة… انسجاماً مع النفاق الغربي السياسي الذي تمثل بأشهر دولتين استعماريتين للوطن العربي: بريطانيا وفرنسا، اللتين فتحتا النار على كلّ الجهود المحتملة لبحث مكافحة الإرهاب على الرغم من تشدقهما العلني بضرورة المكافحة، وهما في الوقت عينه تقومان بزرع فتيل الدعم والتمويل والتسليح والتمرير من خلال أدواتهما في المنطقة، على نحوٍ يساهم في إذكاء نار الارهاب الذي سيصل عاجلاً أم آجلاً إلى عقر الدار الغربية، إذا لم يجرِ التفكير جدياً وميدانياً في كل المعطيات التي أفرزتها هذه الحرب القذرة على سورية: واسطة العقد الحضاري العالمي في المنطقة.

المتغيّرات الموضوعة على طاولة البحث، لا بد من أن تستطلع المحيط الذي امتدت اليد «الداعشية» إلى رفوفه الثمينة الحاملة لهوية الحضارة العربية التي كان آخرها ما استجدّ على أرض الزيتون التونسية ومتحفها الذي اغتالت فيه الراية السوداء العشرات، والمنفذ «داعش» مع سبق الإصرار… ولا يخفى ماحدث قبلها في اليمن، وليبيا والعراق وغيرها.

إذاً، هل يعني هذا أن أميركا وربيبتها «إسرائيل» في المنطقة، قد بدأتا تتخليان عن مشروع التقسيم الاستعماري، بعد أن أفلتت الخيوط من عقالهما، ولم تعد ممسوكةً بالمتعارف عليه سياسياً، بالسيطرة التي تحرّك هذه التنظيمات من قبل مَنْ قام بتصنيعها، حتى ولو كانت السيدة كلينتون التي اعترفت فيما سبق بتصنيع هؤلاء وإذكاء نار الإرهاب في المنطقة تحت مطرقة الديمقراطية؟ أم إن كل ما يستطلع من آراء وتصريحات يدخل في إطار المناورات على أرضية المتغيرات الوهمية التي يريد الغرب الاستعماري إدخال معاني تصريحاته فيها للإيهام بأن هذا الغرب بدأ يعي ما فعلت آلته الاستعمارية، والوضع الذي رتبته من إرهاب طال المنطقة بأسرها؟… وتالياً، صار الشارع الغربي ضاغطاً على ساسته أمام الهمجية الوحشية التي يساهم هو بإذكائها؟

الواضح في هذا أن ما يجري من اعترافات يضع على المحكّ كل المؤامرة على سورية، ومسبباتها، وأهدافها، وحتى أجندتها، في خانة الاستثمار السياسي، كما وضعت هذه الدول الغربية نفسها في موازاة الإرهاب، ودعمه، وتصنيعه، خدمةً للاستثمارات الخليجية فيها، ضاربةً عرض الحائط بكل الحقوق الإنسانية والمواثيق الدولية والعالمية التي كانت تقوم على أساسها هذه الدول «المتحضّرة»، ما يعني أن الغرب المنافق، لا يعرف إلا لغة المصالح وتجديد الهوية الاستعمارية للمنطقة، وبأي سبيل من السبل، فكان له ما أراد من خلال الأدوات التي حققت له، مالم يستطع تحقيقه منذ مئة عام في هذه المنطقة.

وإذا كان البناء على الألفاظ، يعطي مؤشراً على أن الأقوال لا تفعل شيئاً، فإن النظر إلى التطبيق هو الفيصل في تشابك التصريحات،غثها وسمينها، بما يهدم جدار إسمنت الدعم والتمويل والتمرير لراية «داعش» وغيرها من التنظيمات الإرهابية في المنطقة…. عندها يمكن أن يقال – وبعد تجفيف المنابع – إن الظن ممنوع، وإن لغة السيناريوهات المتبدلة قد ثبتت عند مؤشر واحد ودون ذلك فإن الارهاب سيمتد كالسرطان، وسينخر الغرب بأكمله… وهنا على الجميع تلمس النار الممتدة في وقت قد لاينفع فيه الندم.

بقلم: رغداء مارديني