دمشق-سانا
في وقت يتجه فيه العالم وهو مغمض العينين نحو كوارث مناخية لا تحمد عقباها جراء الاحترار المناخي وآثاره المدمرة على الأرض كما يحدث في الفيضانات والسيول غير المسبوقة التي تجتاح الباكستان وأودت بأرواح المئات ودمرت الممتلكات والبنى التحتية بشكل كبير تواصل الاقتصادات الرئيسية ولاسيما الأمريكية والأوروبية زيادة انبعاثاتها من الغازات الدفيئة المسببة للاحترار ولاسيما بعد ارتداد العقوبات التي فرضتها على روسيا عليها لجهة أمن الطاقة والاقتصاد.
فالتحذيرات التي أطلقتها الأمم المتحدة في آذار الماضي أصبحت ماثلة اليوم أمام الجميع في الباكستان وغيرها حيث أكدت أن الالتزامات الراهنة للدول ستؤدي إلى احترار “كارثي” يبلغ 2.7 درجة مئوية ما سيؤدي إلى مضاعفة موجات الحر والجفاف والعواصف والفيضانات المدمرة مطالبة الدول الموقعة على اتفاق باريس بخفض انبعاثات الغازات الدفيئة.
وتتجسد اليوم الآثار المدمرة للاحترار في الفيضانات والسيول الكارثية التي تشهدها مناطق في باكستان منذ منتصف حزيران الماضي ولغاية اليوم والتي أودت بحياة 1290 شخصاً وإصابة أكثر من 12588 وتضرر نحو 33 مليون شخص وتدمير مليون و468019 منزلاً ونفوق ما يقدر بـ 736459 رأساً من الماشية وفق حصيلة أصدرتها أمس الهيئة الوطنية لإدارة الكوارث الباكستانية وفقاً لوكالة شينخوا.
وما جاء في تقرير الهيئة الوطنية لإدارة الكوارث الباكستانية أكده اليوم بيان لمنظمة الصحة العالمية بأن الفيضانات غير المسبوقة التي اجتاحت مناطق في الباكستان أدت إلى تضرر أكثر من 33 مليون شخص بينهم 6.4 ملايين بحاجة ماسة للمساعدات الإنسانية وأكثر من 1460 منشأة صحية منها 432 مدمرة بشكل كامل و1028 بشكل جزئي محذرة من أن الوصول إلى مرافق الرعاية الصحية والامدادات الطبية الأساسية محدود للغاية.
وأمام تلك الخسائر الكبيرة طلبت الحكومة الباكستانية المساعدة الدولية لمكافحة الأضرار القاتلة وذلك بعد أن تم إعلان حالة الطوارئ في البلاد على خلفية تحذيرات أطلقتها الهيئة الوطنية لإدارة الكوارث في الباكستان محذرة من حدوث فيضانات ذات منسوب مياه مرتفع جداً وفوق المستوى في نهر كابول بمنطقة نوشيرا في مقاطعة خيبر بختونخوا شمال غرب البلاد والتخوف من احتمالية أن يشهد نهر السند في منطقتي كالاباغ وتشاشما بمقاطعة البنجاب شرق البلاد تسجيل مستويات فيضانات من عالية إلى عالية جداً وفق ما أوردته وكالة شينخوا.
وما يحدث اليوم من كوارث كان قد حذر منه تقرير لمكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث في شهر نيسان الماضي مؤكداً أن العالم سيشهد على مدى العقدين المقبلين وقوع ما بين 350 و500 كارثة سنوياً أي ما يزيد بخمس مرات على المتوسط خلال العقود الثلاثة السابقة متوقعاً في ظل تغير المناخ وعدم تحرك الدول الصناعية الكبرى خطوة إلى الأمام في هذا الاطار بأن تقع أحداث كارثية ناجمة عن الجفاف ودرجات الحرارة القصوى والفيضانات المدمرة بشكل متكرر أكثر في المستقبل وأنه بحلول عام 2030 سيواجه العالم كل عام 560 كارثة أي بمعدل 1.5 كارثة يومياً.
وكان لتجاهل المخاطر التي حذرت منها الأمم المتحدة ثمن باهظ إذ خلص التقرير إلى أن الكوارث في أنحاء العالم كلفت ما يقرب من 170 مليار دولار سنوياً على مدى العقد الماضي ولاسيما أن معظم الكوارث حدثت في البلدان منخفضة الدخل التي تخسر في المتوسط 1 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي بسبب الكوارث سنوياً مقارنة بـ 0.1 بالمئة فقط في الدول الأكثر ثراء والأكثر تلويثاً للمناخ حيث كان لمنطقتي آسيا والمحيط الهادئ “الحظ” الأكبر من الخسائر.
ومع استمرار الدول الصناعية الكبرى بغض الطرف عن الخطر الداهم الذي يخبئه تغير المناخ والتجاهل المتعمد لكوارثه ولاسيما بعد عودة أوروبا بالكامل إلى الوقود الأحفوري والفحم الحجري جراء العقوبات التي فرضتها على روسيا وارتداد تلك العقوبات عليها فإن العالم كله أصبح فعلياً يمول تدمير نفسه بفاتورة تدفعها الدول النامية كضريبة عن الدول الصناعية الكبرى.
فهمي الشعراوي
متابعة أخبار سانا على تلغرام https://t.me/SyrianArabNewsAgenc