لاقت تصريحات وزير الخارجية الأميركية جون كيري الأخيرة بخصوص الحالة السورية والحوار حولها، الكثير من ردود الأفعال المتفاوتة في تقييمها وتقدير إمكانية البناء عليها يعلم من رحب ومن رفض ومن قبل مشترطاً والجميع، أن لهذه التصريحات أهمية حقيقية ليس لأن الولايات المتحدة غيرت في مواقفها نشداناً للعدالة في سورية.. أبداً.. أكثر ما لا ترصده السياسة الأميركية في توجهاتها اليوم وبالأمس، هو العدالة لكن هذه السياسة تتصف بالحيوية وعدم الحرج من تجدد المواقف ظالمة كانت أم عادلة.. متوخية المصالح الامبريالية الأميركية.
يتصف المجتمع الأميركي عموماً بالبراغماتية ما يعني تقريباً حساب النتائج وهذا ما يعترف به الأميركيون ويجمع عليه معظم المتابعين والمهتمين. البراغماتية غالباً ما تظهر بوضوح في خططهم وتوجهاتهم، وقد ساعدتهم هذه السياسة غالباً. لكنها ورطتهم أحايين؟ نتيجة سوء التقدير وعدم دقة المعلومات التي رسمت توجههم. هم يختلفون بذلك عن أوروبــــــــــا ولا سيمـــــا أصــــــحاب التاريخ
الاستعماري فيها «فرنسا وبريطانيا بصورة رئيسة»! هذه تتأثر كثيراً بالإرث الاستعماري ورغم أن النموذج الأميركي كثيراً ما استقطب الأوروبيين مع صعود النجم الأميركي وانحسار طيف أوروبا «العجوز» كما تغلب تسميتها، ظل تمايز رسم المواقف قائماً بين أميركا وأوروبا بهذا الحجم أو ذاك.
بمواجهة المسألة السورية لم تتخل أميركا عن براغماتيتها بادئ ذي بدء، ونظرت لتطور الأوضاع في سورية كحالة مختلفة عما يجري في دول عربية أخرى وقد عبرت وزارتا الخارجية «هيلاري كلينتون» والدفاع في البدء عن هذا الموقف. لكن تسارع الأحداث في الدول العربية الأخرى، وحلاوة النصر المزعوم ولا سيما في ليبيا، جعل أوروبا ترسم كامل سياستها متأثرة بالتقديرات الخاطئة المنقولة لها من عربان الخليج، على أساس أن الأمور منتهية في سورية والسباق على تقاسم التركة كما حصل في ليبيا. الوهم الأوروبي المعتمد على الكذب الخليجي الواهم بدوره، المسنود من بعض أطياف المعارضة السورية وقراءة الغرب لأحلام تركيا وقد بدأت تظهر لها قريبة التحقق أحدث ارتباكاً في الموقف الأميركي جعلهم يقدمون على تبني الأوهام!!.
مع تطور الحالة وموقف الحكومة السورية وتمكنها من أن تجمع معظم عناصر القوة المتوفرة من أجل الصمود، بدأت الولايات المتحدة تشعر أن حلفاء الموقف المعادي لسورية يعتمدون كلياً عليها للتدخل العسكري وإسقاط الحكومة السورية كما حصل في ليبيا. لم تكن أميركا أبداً مستعدة للعب هذا الدور الشنيع، ولعلها لم تكن معجبة أصلاً بتجربة الغرب الاستعماري والخليج المجنون في ليبيا.
الذي يبدو اليوم أن الولايات المتحدة تريد العمل بمقتضى رؤيتها البراغماتية أولاً، وبمقتضى ثقتها أنها لن تقدم على تدخل عسكري في سورية، في حين مازالت أوروبا الاستعمارية تعوّل على هذا التدخل؟؟!!.
مهما بلغت أهمية الموقف الذي يمكن أن تعبر عنه تصريحات الوزير كيري لا يمكن لسورية أن تتجاوز الاهتمام والإنصات وانتظار القادم وهي في قلب المعركة.. هل كانت تصريحات كيري لتكون لولا تطور نتائج المعارك؟!
بقلم: أسعد عبود