بعد أربع سنوات من عمر الحرب على سورية، و”الفوضى الخلاقة” التي ابتدعتها أمريكا في المنطقة عموماً، وحديث السياسيين والمحللين على اختلاف مستوياتهم في العالم بأن الحل لا يمكن إلّا عبر الحوار السياسي، أثبتت تطوّرات الأحداث بأن الحل أولاً في الميدان، للقضاء على أدوات المشروع الصهيوأميركي المتمثلة بالتنظيمات التكفيرية.
فدول التحالف الصهيوامبريالي، بالتنسيق مع الرجعية العربية والعثمانية الجديدة، والتي تحاول رسم خريطة جيوسياسية جديدة للمنطقة تتناسب وتتواءم مع ما يخدم مصالحها، صنعت قتلة جوالين وكيانات سياسية هلامية تحت مسمى “معارضة” لتنوب عنها في تقديم لائحة المطالب من الحكومات الشرعية، الأمر الذي يفرض على الدول المستهدفة والساعية للمحافظة على وحدة التراب والهوية واستقلالية القرار خوض الحرب حتى النهاية، وقد أكدت الوقائع أن من يقاتلون الجيوش العربية في سورية والعراق ولبنان ومصر لا يعبّرون بأي شكل من الأشكال عن مطالب شعبية، ولا يملكون بالأصل أي مشروع سياسي يخدم طموحات شعوب المنطقة بالانتقال نحو مستقبل أفضل، فكيف بهذا الحال يمكن أن يكون الحل سياسياً؟.
إن حديث الغرب، وفي مقدمته الولايات المتحدة، وضربهم على وتر الحلول السياسية يمكن وضعه في خانة الضغط على الحكومات لعدم استخدام القوة المفرطة في مواجهة الإرهاب، في محاولة منهم لإعطاء التكفيريين الفرصة في التقدّم والسيطرة على مساحات واسعة تعطي العدو الأصيل أوراقاً تفاوضية قوية عند الجلوس على طاولة المفاوضات، وهذا ما حصل في العراق قبل عدة أشهر، حيث استطاع تنظيم داعش الإرهابي، المصنّع في أمريكا، أن يسيطر خلال أسابيع قليلة على مساحات شاسعة وارتكب مجازر وعمليات تطهير عرقي أعطت الذريعة للإدارة الأمريكية لتشكيل تحالفها المزعوم للقضاء عليه.
وعليه عملت الدبلوماسية الأمريكية كعادتها في الحروب التي خاضتها سابقاً على تضخيم قوة “داعش”، وسوّقت عبر دبلوماسيتها وماكينتها الإعلامية أن القضاء عليه يحتاج لسنوات، وذلك لتبرير إطالة أمد وجودها في المنطقة لاستنزاف الثروات لسد عجوزاتها المالية، وتدمير الإرث الحضاري والثقافي في سورية والعراق كرمى لعيون الكيان الصهيوني، الذي عمل منذ تأسيسه، كما يفعل داعش، على محو حضارة عمرها آلاف السنين لتثبيت وجوده في أرض فلسطين.
لكن ورغم ما حلّ بأرض العرب من قتل ودمار، فبعد الإنجازات التي يحققها الجيشان السوري والعراقي في مواجهة الإرهاب بدأت تتكشف أكاذيب الغرب واحدة تلو الأخرى، فتنظيم “داعش” أثبت أنه “كيان كرتوني يمكن القضاء عليه خلال فترة قصيرة”، وبالتالي بدأنا نلحظ كلما يخسر تنظيم “داعش” في منطقة تنخفض معه سقف المطالب الأمريكية والأوروبية، وتتقاطر وفودهم إلى سورية لفتح قنوات دبلوماسية، كمقدمة لتبديل سياساتها، بما يتناسب مع الموقف العسكري، والوقائع على الأرض.
مما تقدّم يمكن القول: إن بداية نهاية الأزمة ستكون عندما يلتقي الجيشان السوري والعراقي على الحدود للإطباق على التنظيمات التكفيرية، وفرار ما تبقى من المرتزقة إلى الدول التي استقدموا منها، عندها يمكن للجميع أن يلحظوا الاستدارة الأمريكية والأوروبية، وكيف سيهرول هؤلاء إلى سورية لطلب العون للمساعدة في القضاء على الإرهاب، الذي سيرتد عليهم بعدما أتقن “الجهاديون” فنون الإجرام، بالمقابل سيتركون لشعوبنا الحرية في تقرير مصيرها السياسي من خلال الحوار بعيداً عن التدخلات الخارجية، ونكون بذلك قد ولجنا بوابة عالم جديد متعدد الأقطاب، ينهي حقبة طويلة من الهيمنة الأمريكية على القرار العالمي.