مجموعة سوناتا لأوس أسعد فتح جديد في عالم الحداثة الشعرية

دمشق-سانا

الشاعر اوس أحمد أسعد في مجموعته سوناتا عذوبة تبعثر الكستناء يلخص اللغة في ترحالها الأبدي بين الحسي والتجريبي بين المباشرة “الطرش على الحائط” والمحو “اختزال البياض” ليؤسس لشعر خلاصة هذا التيه مهذبا بتوابل الصمت والايحاء والتكثيف.

ويستوحي الشاعر تلك الفكرة في القبض على تعريف للشعر من بداهة طفلته التي أجابت عن مهنة والدها بالدهان مرة وبالشاعر في أخرى حيث يكتشف القارىء أن سوناتا هي ثمرة حبه لطفلته التي جاءت من ماء الشعر فأطلق اسمها على ثمرة فكره.

الشاعر في مجموعته يحلق بعيدا عن الوزن والقافية في سماء لغة تتفاوت بين الشفافية والغموض أو بين الحسي والتجريبي كما يرى الشعر فهو يكتب ليجعل القصيدة أكثر نقاء..

اكتب

لا. ..لأمتدح

ولكن

لأزيل الزؤءان

من حقل القصيد.

ولعل ملهمته سوناتا تشغل المساحة الأكبر في ضوء الكلمات فأصابعها ينابيع ولمستها تشعل سماء الشاعر بيمامها فيقول في قصيدة “سوناتا ضحكتنا العال”..

اليد الغردة

بينابيعها

الخمسة

تمتد من أقصى الحفاوة

إلى آخر الكستناء

إذ تلامس جبينك

تشتعل سماء بيمامها.

ويصل الشاعر في حب الصغيرة إلى درجة اللامعقول فبأقدامها تزهر أجنحة المكان وقبل وجود الطفلة كان الصباح شبهة صباح والورد فكرة ورد ليمنح تلك الطفلة من الصفات الخارقة والخالقة ما يجعلها سبب وجود عالم الشاعر كقوله..

سوناتا

جناحا فرشاة

أمطرتا شرفتي بالضوء والياسمين

فكان العالم.

ورغم أن الشاعر انفلت من قيود الوزن والقافية لم يكن انفلاته عجزا فهو متمكن منها ويظهر ذلك في قصيدة الحياة تلك الهشاشة العذبة يتحدث فيها عن دعاة الدين التكفيريين الذين يمارسون أبشع القتل والتمثيل بالجثث تحت عباءة الدين حيث يتكئء الشاعر على النص الديني والموسيقا الشعرية ولعل ذلك لم يكن عبثا فآيات الكتاب هي الرد لمن حملوا الكتاب ثم لم يحملوه فيحدثهم بلغتهم أو من فمهم يدينه..

أيها المشركون

لا اعبد

ما تعبدون

وإني أخاف الربيع

مذ أتى وردكم

مزهرا بالدماء

أخاف أن تغدو ابنتي

ذات يوم بدون انتماء

أيها المولعون بصوت الرصاص

كفاكم قتلا باسم القصاص.

ذلك هو الوزن الذي لا يقيم له الشاعر وزنا حين يريد أن يحلق بجناحي الكلمة إلى ما وراء العبارة فيتدفق الشعر فراشات بألف لون يقول في قصيدة بعنوان “الديدمانة يتحدث عن قري”..
قف على أطراف ناظريك

متيمما بأنوثة المكان

تعبر البرزخ إلى خيمة في أقاصي البهاء

ضمها ..زهرة الغروب

ضمها بين راحتيك كي تفور الرائحة

ثم فرها على الكلام ليغدو الكلام

ويلتفت الشاعر إلى الآثار النفسية التي تركتها أحداث الوطن في الطفولة من خلال صورة يرسمها لطفلته التي اعتادت أصوات آلة الموت إذ تقول أمام انفجار تهتز له الجدران..

لا تخافوا

مجرد انفجارات

قريبة

تحاول منعي

من إكمال الدراسة.

والشاعر لا حدود لطموحه فهو يهزأ بالمكانة الواقعية لأن مكانته في فضاء الكلمات ولا معنى لقصاصة من الورق المقوى تثبت عضويته في اتحاد الكتاب لأن القصيدة تثبت ما لا تثبته الورقة يقول ساخرا من أحد الشعراء في قصيدة “الشاعر”..

قال لي يوما

أأصبحت مثلي عضواً

أجبت..أهذا طموح أيها الرجل دون أن يقول له أيها الشاعر لأن من كان منتهى أمله تلك العضوية ليس بشاعر.

والشاعر صورة للإنسان القلق الذي كان وجوده المعرفي ثمرة قلقه وثمرة تساؤلاته وشكه لأن الوجود المعرفي الفكري كان جوابا لشكه وفرضياته الأخلاقية والوجودية لذلك ترى قلق الشاعر واضحا في قصيدة “وله معرفي”..

أشعل قلقي

أتدفأ على شمعته

ظننت أنني اعرف

نمت في يقيني.

مجموعة الشاعر أوس مليئة بالكشف وغنية بالأسئلة الكونية والفلسفة والبوح والإيحاء فهي مجموعة من الطراز الرفيع المليء بالشاعرية والشعر فيها ليس مجرد وزن بل سوناتا من الموسيقا الدخلية المنبعثة من تناغم الحروف وتناسق العبارات والطريقة التي اختارها الشاعر في بناء القصيدة بكتابة كلمة أو كلمتين

على السطر او حتى حرف أحياناً وكأن السطر يعجز عن حمل كلمات أكثر لشدة شاعريتها.
والشاعر أوس يتسلق عتبة الكلام بخطى واثقة ومفردات مكثفة تكاد تتطاير كالفراشات على بساط من ورد وزهر وربيع لتكون هذه المجموعة فتحا جديدا في عالم الحداثة الشعرية وتستحق الدراسة والاهتمام .

بلال أحمد