يتبادر إلى الذهن التحليلي في النفاق السياسي الذي تمارسه دول الغرب ومنظماته أن أهم خطوة على الشعب السوري أن يخطوها إلى جانب جيشه العظيم، تتجسد في بلورة مبادئ الأخلاق والثقة التي عليه أن يبنيها بينه وبين مسؤولياته والواجبات الملقاة على عاتقه والمطلوبة منه حالياً أكثر من أي وقت مضى، وبخاصة بعد حرب مسعورة على بنية دولته العمرانية والفكرية بكل أبعادها.
وما تأتى من ثمار ثورة آذار التي خطّت قدرة الدولة والفرد على البناء والعطاء، جنباً إلى جنب، وكتفاً إلى كتف، يعطي دلالة على المؤشرات والمفاهيم الأخلاقية التي علينا التحلي بها، ليكون المنتج متكاملاً، فكيف الحال أيام الحرب والإرهاب والمؤامرات التي تحيك السياج القاتم على مقدرات الدولة واقتصادها؟
آذار العائد بعد سنوات الصمود والمقاومة، له طعم المسؤولية الأخلاقية التي تتطلب منا العمل بتفانٍ وقوة إدراك لما يحوق بنا من أخطار، بدأها مشروع التقسيم الصهيوني ـ الأمريكي في المنطقة، ولم ينتهِ مع الأدوات والأجراء المساهمين بجسور الإمداد والتبعية لخلق المزيد من الفتن والدمار لكل ما بناه الشعب السوري على مدار سنوات آذار المجيدة.
والواجب في إطار العمل المؤكد المرمي على كواهل كل واحد فينا، يؤكد ضرورة تمتين عوامل البقاء والصمود أمام الهجمة الاستعمارية التي ضربت عرض الحائط بكل حقوق الشعوب بالعيش الكريم، في ظل القوانين الدولية والعدالة المجتمعية المزيفة التي ينادي بها «العالم المتحضّر»، والتي اتضح من خلال أبعادها وأهدافها أنه لا يعرف لها معنى في ظل هذا الهجوم الاستعماري المتمثل بدول التآمر المفضوح على المنطقة.
فالحجج الواهية التي كالتها هذه الدول عن مرامي «الربيع» وديمقراطيته لم تحمل إلا الخراب الدموي والبؤس للمنطقة كلها، بعدما تركتها عرضةً للنهب والسلب والإبادة وسيلان الدماء.
على حوامل ذكرى آذار لابد من الوقوف ملياً عند بعض الأخلاقيات التي تفسخت، والتي أعطت الإمداد لكل من ساهم بدمار سورية، إذ ما على المجتمع اليوم إلا إعادة الثقة والمسؤولية وحس المواطنة لقطع الإمداد عن الدمار الممنهج الذي استفاد منه أعداء سورية، ولاسيما أولئك الذين يعرفون ماذا يعني أن ينضب العنصر الأخلاقي من المجتمعات، ويحلّ محله الفساد المترتب على وضعيات سميت بالديمقراطية و«المعارضة المعتدلة» وهي الإرهاب عينه الذي جزّ الأخضر واليابس وحوّل القلوب إلى أحجار صمّاء لا تعي كم هو مخيف هذا المستقبل المنظور السائر على طريق الوهابية المتغلغلة في بنيته.
آذار، الذي اعتاد المواطن السوري على أن يحمل له الخير والقدرة على الفعل والوجود، عاد بملء سلته الربيعية الحق في ظروف الربيع الدموي، يطلب من أبنائه أن يكونوا صفاً واحداً متراصاً في وجه المؤامرة الشرسة العثمانية منها والوهابية، ليؤكد للعالم أجمع أن سورية عصية على كل المتآمرين مهما بلغت قوتهم، وازداد صلف جبروتهم، وامتدت أيادي الغدر والخيانة.. لأن الشعب الأصيل الذي علّم الغرب الحضارة وقدّمها تراثاً عريقاً، يستطيع أن يعيد ألق بلاده، ولا يسمح لأي معتدٍ بالمساس بها، مهما كبرت الهجمة وامتدت وطالت.
ولأن في سورية شعباً لا يرضى الذل أو الهوان، ولا يرضى إلا أن يقدم أخلاقه العريقة والأصيلة بعيداً عن مذبح السواطير والإرهاب العالمي الزاحف إليه، فهو قادر على مواصلة استلهام مبادئ آذار التي عاشها وتربى عليها كي يمكننا أن نعيد حمل المسؤولية الأخلاقية تجاه مجتمعنا، ونتحلى بالمواطنة التي أحوج ما نكون إليها هذه الأيام؟
بقلم: رغداء مارديني