الشريط الإخباري

أبجدية أوغاريت السورية بحروفها رسمت تطور لغات العالم الحية

دمشق-سانا

وضعت الترتيب (الألفبائي) للغات العالم الحية ورسمت حروفها الشكل الذي طورت منه لغات العالم أشكال حروفها، إنها أبجدية أوغاريت السورية، الأبجدية الوحيدة في العالم التي كتبت بخط مسماري ومنها انتقلت إلى اليونان وشعوب البحر الأبيض المتوسط.

أما مملكة أوغاريت التي يفخر بها الشعب السوري والتي تأسست قبل أكثر من 7500 عام قبل الميلاد فكانت مركزاً حضارياً مزدهراً وصلت فيه هذه المملكة السورية القديمة إلى مستوى حضاري رفيع وهو ما تحدثت عنه الوثائق واللقى المكتشفة حيث يمثل اليوم تاريخ اكتشاف أوغاريت قبل 94 عاماً والتي قدمت للبشرية إنجازها الأكبر (الأبجدية الأولى) التي عثر عليها في رأس شمرا باللاذقية.

فعندما أوجد الأوغاريتيون لغتهم المكتوبة بالطريقة الأبجدية كان الشرق القديم يعرف طريقتين في الكتابة الأولى الهيروغليفية أي الصورية كما في مصر والمسمارية المقطعية كما في بلاد الرافدين لكنهما كانتا تتطلبان عدداً كبيراً من الإشارات الأمر الذي جعل استعمالهما صعباً.

وتعد أبجدية أوغاريت أول ثورة في عالم المعلومات البشرية والتي مكنت الإنسان من تصوير كل صوت من أصوات اللغة برمز خلق من أجله فأصبح الرمز الكتابي يعكس صوتاً وصارت مجموعة الرموز تعكس كلمات بألفاظ وأصوات كاملة وصار بإمكان كل إنسان أن يكتب لغة كما يتكلمها ويسمعها.

وعن رحلة الاكتشافات الكتابية الأثرية تحدث الباحث الأثري المتخصص بالآثار الأوغاريتية الدكتور غسان القيم في تصريح لـ سانا حيث بين أن رحلة الكتابة ابتدأت من كتابات تصويرية معبرة عن المعاني إلى كتابات معبرة عن الأصوات حيث ابتعد الإنسان شيئاً فشيئاً عن الصورة حين أوجد الرموز وتوصل إلى الألفبائية وهي أرقى ما اخترعه إنسان سورية وقدمه إلى البشرية جمعاء.

وأوضح القيم انه قد يكون هناك أبجدية كنعانية أقدم من الأبجدية الأوغاريتية لكن لم يكشف من آثارها شيء لكون البحث والمعرفة عن مكنونات الحضارة لا يأتي من فراغ ففي السنوات الأخيرة انكب علماء الآثار واللغات القديمة على بحث جديد لا يقل أهمية وحيوية عن موضوعه الأول يتعلق بمسألة الأبجدية الأوغاريتية هل هي أقدم أبجديات العالم أم هي تطوير لأبجديات قبلها أم هي من اختراع الأوغاريتيين أنفسهم.

وأشار القيم إلى أنه قد يكون من العسير جداً على الباحث العادي التوصل إلى أجوبة مقنعة حول هذه التساؤلات وخاصة أمام الكم الهائل من الأبحاث والكتب التي صدرت في العديد من دول العالم حول هذا الموضوع الذي ما زال مثار جدل وبحث ومقارنات بسب أن الأبجديات القديمة (السينائية-الفينيقية-الأوغاريتية) ظهرت في فترات متقاربة جداً لذلك جعل بعض الدارسين يجدون صعوبة بمعرفة أي الأبجديات الأقدم.

وأكد القيم أن أبجدية أوغاريت اختراع سوري أوغاريتي كنعاني لا خلاف حوله وحروف هذه الأبجدية هي بنفس ترتيب الحروف العربية بزيادة حرفين عنها هو حرف الألف الذي كتب بثلاث حركات الضمة والفتحة والكسرة موضحاً أن اللوح الذي دونت عليه أبجدية أوغاريت يعد أكمل أبجدية مكتشفة حتى الآن.

هذه الأبجدية لم يحتكرها علماء أوغاريت لنفسهم بل قاموا بنقلها ونشرها في كل أرجاء المعمورة آنذاك وتعبر عن عبقرية ذهنية كبيرة شكلت انطلاقة وثورة معرفية ومعلوماتية.

ولفت القيم إلى أنه من بين الرقم الفخارية المهمة المكتشفة في القصر الملكي بأوغاريت وجود بعض التمارين لتلاميذ مبتدئين للنسخ نقشت باللغة الأوغاريتية وتبين هذه التمارين أن تعليم الكتابتين (الآكادية والأوغاريتية) كان يتم في الوقت نفسه في أوغاريت والمنهاج نفسه بالنسبة للغتين.

وبين أنه في البداية كان أهل أوغاريت يتعلمون الكتابة بنسخ المسامير ثم الأحرف ثم الكلمات وأسماء العلم وكانت هذه العملية طويلة وصعبة باللغة الأكادية لأن على التلاميذ معرفة عدة مئات من الإشارات والمقاطع لكن تعلم كتابة اللغة الأوغاريتية وقراءتها كان بسيطاً جداً (30 حرفاً) يتم تعليمها في ترتيب ثابت أي (الأبجدية) ولهذا السبب تمت تسميته بالنظام الأبجدي.

وأكد القيم أن هذه التقنية الجديدة لم تكن تجربة عابرة وآنية وإنما كانت ممولة من قبل السلطة الملكية وهكذا أصبحت وسيلة التنظيم الإداري والديني لكامل المملكة السورية القديمة وبالتالي فإن أوغاريت هي أكثر النماذج المعروفة قدماً حتى الآن في استعمال الكتابة الأبجدية المؤسساتية على مستوى الدولة.

وأوضح القيم أن النصوص المنقوشة بالأوغاريتية تنقسم إلى مرتبتين نصوص الحياة اليومية من جهة ونصوص اللغة الممارسة التي تعكس إدارة الحياة الاقتصادية والقانونية والدينية ونصوص التقاليد والعادات والنصوص المكتبية التي تشهد على نقل التراث الثقافي والمعرفي مؤكداً أن ذلك يعكس أهمية الدور الذي لعبه الناسخ في أوغاريت ليس فقط في الإدارة الملكية ولكن أيضاً في الحياة الثقافية والتعليمية والروحية.

يذكر أنه اكتشف في أوغاريت إلى اليوم ما يقارب الـ 3557 رقيماً فخارياً وجدت بين أركانها ما بين عامي 1929 و1988 مع وثائق مكتوبة والعديد من النصوص المنقوشة على مواد كالأنصاب الحجرية والأسلحة والأوعية وغيرها فسرت علاقات أوغاريت الواسعة مع الممالك الأخرى.

أما الكتابة الأوغاريتية التي ظهرت في 1400 قبل الميلاد فتألفت من 30 إشارة مسمارية وكل واحدة ترمز إلى حرف ساكن مستقل عن الصوت حيث تؤكد الأبحاث العلمية أن اللغة الأوغاريتية قريبة من العربية من حيث التراكيب وقواعد النحو والصرف والمفردات الخاصة وفيها نحو 1000 كلمة هي نفسها في لغة الضاد وبعضها الآخر نجد له صدى بلهجات الساحل السوري الدارجة.

وتميزت الوثائق المكتوبة والمكتشفة في موقع رأس شمرا بتنوعها وتناولها ميادين مختلفة وفرت للباحثين معلومات غنية فهناك الدينية ومنها 4 ملاحم وهي ملحمة بعل ومولد الآلهة وعرس القمر والرفائيم والأدبية وتشمل حكماً ونصائح وقصائد ونصوصاً ذات طابع علمي من بينها أسماء الحيوانات والأقمشة المستعملة وأسماء أشهر السنة.

وهناك وثائق قانونية من عقود بيع وشراء ووصايا أبرمت بين أفراد عاديين ونصوص رسمية صادرة عن ملوك اوغاريت ذات طابع دولي من معاهدات واتفاقيات سياسية أو تجارية وقرارات كما عثر على رسائل دولية متبادلة بين أوغاريت وممالك أخرى.

رشا محفوض