لن يقف “نتنياهو” اليوم أمام الكونغرس الأمريكي متحدّثاً باسم “إسرائيل” ومعبّراً عن هواجسها ومطالبها الآنية والمستقبلية فقط، بل سيقف متحدّثاً، أيضاً، باسم حلف شبه معلن يضمه ومجموعة من الحكام العرب، الذين رهنوا وجودهم بوجود المشروع الصهيوني في المنطقة واستمراره، ما يعني أن هواجس “نتنياهو” التي سنسمعها اليوم هي هواجسهم، ومطالبه مطالبهم، وأعداؤه أعداؤهم، وهذه حقائق لم تعد محل نقاش أو خلاف بين عاقلين في المنطقة والعالم.
ولتبيان صحة ذلك، يمكن لاستطلاع رأي سريع أن يظهر أن “أوباما”، الذي هو الرئيس الأمريكي الأكثر كرهاً عند “حكام كيان الاحتلال” الحاليين، هو أيضاً الرئيس الأمريكي الأكثر كرهاً لدى حكام الخليج مثلاً، والسبب بسيط، فالرجل ما زال، حتى اللحظة، يرفض خوض معارك الطرفين، أو على الأقل يرفض خوضها على طريقتهما، ليس إيماناً مستجداً منه بأهمية العمل وفق الأخلاق أو القانون الدولي، بل لاعتقاده أنه يعرف مصلحتهما أكثر منهما، وأن أسلوبه “الناعم” في العدوان وتحقيق المصالح أجدى من أسلوبهما، لذلك لن يكون خطاب “نتنياهو” اليوم سوى صورة للصراع بين رؤيتين لكيفية تحقيق هدف واحد، لكنه صراع جدي، و”قلق” إدارة “أوباما” المستجد والمعلن من سجل “إسرائيل” في حقوق الإنسان دليل على المرحلة التي بلغها هذا الصراع.
إذاً، للخطاب، كما يعرف الجميع، هدف واحد، وهو محاولة فرملة خطوات “أوباما” المتعلقة بالمنطقة، وعلى الأقل إرباكها وإبطاؤها انتظاراً لمرحلة “جمهورية” قد تقود لإلغائها بالكامل، والعودة إلى السياسة “البوشية” السابقة، وكلنا يذكر “الحرد” السعودي من امتناع “أوباما” عن ضرب سورية على غرار ما فعله سلفه في العراق، وفي هذا السياق من المهم الإشارة إلى أنه إذا كانت بعض دوافع “نتنياهو”، أو جلها، من خطابه اليوم انتخابية داخلية، فإن دوافع حلفائه العرب هي وجودية بالمطلق.
وبإطار هذا الهدف يمكن لنا فهم بعض التحركات التي شهدتها المنطقة خلال الأيام القليلة الماضية، وإعلانات التصعيد الصادرة من ثنايا لقاءات بعض “زعمائها”، ففيما تداعت أنقرة والرياض لـ “شدشدة” مفاصل الحلف السابق بينهما، ومحاولة ضم مصر إليه على قاعدة إعادة تعويم “الإخوان” سياسياً، واستنهاض “القاعدة”-بشقيها النصرة وداعش- عسكرياً في سورية واليمن تحديداً، كان من اللافت توقيت ارتفاع مستوى التطبيع الاقتصادي “الإسرائيلي” مع الأردن الذي يستعد، كما يقول مسؤول رسمي، لبدء “تدريب عناصر سورية وعراقية” للتدخل في البلدين، فيما يبدو عملاً وظيفياً كاملاً، لطالما كان الأردن الرسمي جاهزاً له ولأمثاله.
وعلى مستوى الأدوات الداخلية يصبح مفهوماً تمدد “النصرة” في الشمال السوري على حساب “معتدلي” أوباما، ورفض “ائتلاف الدوحة” ورعاته الإقليميين، خطة “دي ميستورا” في حلب، فالوقت الآن للتصعيد ولدعم موقف نتنياهو و”حلفه” الرافض لكل هذه التسويات، التي يعرف، ويعرفون، أن حظوظها لم تكن لتتقدّم لولا قوة المحور المقابل وانتصاراته المتتالية.
وإذا وسعنا صورة المشهد، فإن اغتيال “بوريس نيمتسوف” في روسيا، الذي تظهر عليه أصابع “الموساد الإسرائيلي” بوضوح تام، ليس سوى “فخ” جديد على نحو الطريقة المجربة سابقاً في لبنان، يضاف إلى العقوبات الاقتصادية وتخفيض أسعار النفط، لإرباك بوتين داخلياً وإشغاله ضمن حدود بلاده، وبالتالي إبعاده عن المنطقة وتركها لحلف “البوشيين” الجدد.
وبالمحصلة، يقول نتنياهو: إنه يقوم اليوم “بمهمّة تاريخية وحاسمة”، بحثاً عن “إنجاز استراتيجي”، لكن الواقع يقول بوضوح تام: صحيح أنها تاريخية وحاسمة ولكن باتجاه معاكس، لأن وقوفه أمام “الكونغرس” ليس دليل قوة وتقدّم، بل تقهقر وتراجع، ومحور المقاومة الذي لا ينتظر نتائج “الكباش” بين رؤيتين عدوانيتين بالمطلق، لن يضيع الوقت في الاستماع إلى كلمة “نتنياهو” بالتأكيد، لأنه يعمل، فقد أصبح زمن الكلام وراءنا منذ أمد بعيد.
بقلم: أحمد حسن