يدرك الرئيس أوباما أنه لا يكتفي بالكذب على العالم كله عندما يمتدح مشيخة قطر وناطور الغاز فيها، بل يكذب على نفسه، ويغالط الحقيقة والمنطق ولدى استخباراته وكل استخبارات العالم ما يكفي من أدلة قاطعة على دعم قطر للإرهاب، خصوصاً حين يتقاطع الكذب بين الجانبين على المعتدل والمتطرف منه، وإن كان الحال من بعضه، حيث ما يستصعب أوباما النطق به من أكاذيب وادعاءات يتكفل أمير المشيخة القطرية باستدراكه.
على هذا المنوال سارت مباحثات أوباما مع تميم، خَلَفُ أبيه، ولم يتخللها ما يعكر صفو الكذب المتفق عليه مسبقاً، والمسلم به لاحقاً، وحدها الحقائق المرة على الأرض، والحصيلة المتواضعة أرخت بظلالها على اللقاء الأول بين الكاذبين، حيث ما نطقا به وما تسرب للإعلام يكاد يجزم بأن ما نقل عن الجلسة لم يكن أكثر من مسرح في الكذب المتبادل، فيما الباقي تفاصيل المهمة الأميركية وأسباب إعادة التعويل على القطري ليعود إلى الواجهة من البوابة الأميركية التي خرج منها ذات يوم.
بكل الأحوال ليست المعضلة في حفنة أكاذيب إضافية تقتضيها المناسبة، بقدر ما هي في المعايير التي ترسمها المصالح الأميركية والأدوار الوظيفية التي تحاكيها في المضمون والتوقيت، حيث القطري يتقدم على لائحة الاهتمامات الأميركية المباشرة بعد تراجع مثير في الأشهر الماضية، مقابل صيغ تفاهم مع الدور السعودي الذي حرص القطري على استئذانه قبل أن يصل واشنطن، ما يشير إلى مقاربة أميركية مغايرة في مواصفاتها استدعت أن يستمر الكذب أمام الإعلام، فيما الأحاديث المغلقة كانت لائحة تعليمات صارمة بالدور الجديد.
التعويم الأميركي للدور القطري ليس مفاجئاً بعد انكفاء المهمة السعودية التي انشغلت بترتيب البيت الداخلي، والتي لم تجد ما يبرر القطيعة مع قطر بحكم التجربة المتأصلة للملك السعودي والعلاقة الحميمة التي تربطه بالإخوان ماضيا وحاضراً، ولا يخفي دعمه وتعاطفه الشديد، خصوصاً أنه يستعد لإطلاق مشروعه الجديد لمصالحة قادمة بين الإخوان والوهابية.
لكن.. هذا لا يبرر في أي حال الإطراء الأميركي على الدور القطري إلا باعتباره القاطرة الجديدة لقيادة عربة الأدوات الأميركية في المنطقة، لتعود الخلافات في محاور الأدوات الأميركية مجرد سحابة صيف تضفي على الدور القطري المزيد من الاستطالة المرضية التي بدأت بالخلاف مع مصر ولن تنتهي ببيان مفتعل من مجلس التعاون الخليجي.
ما هو محسوم في نهاية المطاف ان النفاق الأميركي في مكافحة الإرهاب مستمر، ويلاقيه على الضفة الأخرى كذب ووعود والتزامات من أدواته الحاضرة منها والغائبة، ويدرك الأميركي أنها غير قادرة على تنفيذها، ومع ذلك يتجه نحو العمل بمقتضاها لأن الخيارات الأخرى تبدو أكثر سوءاً، ولو كانت من باب تقطيع الوقت ريثما يستقيم الأداء السعودي أو تأخذه العاصفة إلى مكان آخر.
أميركا ليست بوارد التجريب فحسب، بقدر ما هي معنية بإعادة تدوير للزوايا المقفلة بما فيها التركية، التي فتحتها على مصراعيها عبر التوقيع على تدريب المرتزقة والإرهابيين، وهو ما سارع القطري إلى الإشادة به وإعلان دعمه له، في رسالة تحمل مغزى الاستقبال الأميركي للناطور القطري، وإن كانت لا تقدم إجابة واحدة على اللغز الذي يعيد أميركا إلى الوقوع في الحفرة ذاتها من جديد!
بقلم: علي قاسم