تأتي المناورات التي تجريها إيران في مضيق هرمز، بعد ماتردد عن حصول بعض التقدم في مفاوضاتها النووية مع الغرب، وقبيل سفر رئيس وزراء العدو الصهيوني الى واشنطن لإلقاء خطابه المنتظر في الكونغرس، وحثِّ أعضاء هذا الأخير على فرض عقوبات جديدة على إيران بهدف إفشال المفاوضات، لتُوجّه رسالة قوية الى الولايات المتحدة وحلفائها، مفادها أن إيران المتمسكة بالتوصل الى اتفاق نووي في الوقت المحدد، مستعدة أيضاً لكل الاحتمالات، وأنها لن ترفع الإصبع عن الزناد، مادام التهديد الغربي، والأمريكي خصوصاً، لأمنها القومي متواصلاً.
وإيران، لا شك، محقة في ذلك، فالسياسة العدوانية الغربية والأمريكية ضدها مستمرة، والرغبة الغربية في الاتفاق النووي معها لم تأت نتيجة تغيير مبدئي في هذه السياسة، بقدر ماأتت نتيجة فشل خيار الحصار والعقوبات الذي تبناه الغرب لإركاع طهران وإجهاض طموحها النووي السلمي، إذ لم يعد أمامه، بعد ذلك الفشل، سوى طريق الحل التفاوضي، الذي سيسعى جاهداً من خلاله لتقليص القدرات النووية الإيرانية. والكيان الصهيوني مصمم، كما يؤكد قادته المجرمون، على منع حدوث الاتفاق بأي ثمن، والذهاب في المواجهة مع الإدارة الأمريكية بهذا الشأن الى النهاية، مما يثير الشكوك حول حقيقة هذا الخلاف بين الطرفين وأهدافه، إذ ليس من المألوف، ولا المقبول، في العلاقات بين الدول، مهما كانت هذه العلاقات ذات طبيعة خاصة أحياناً، مثل العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، أن تستقوي دولة، كما هو حال الكيان الصهيوني، بالسلطة التشريعية في دولة أخرى (الكونغرس الأمريكي) ضد سلطتها التنفيذية (الإدارة الأمريكية)، وأن يصرّ رئيس وزرائها المجرم نتنياهو على إلقاء خطابه أمام الكونغرس للتحريض على إيران واستهداف الاتفاق النووي معها، رغم عدم موافقة الرئيس الأمريكي، وتحذير إدارته من عواقب ذلك.
ويستمر الكيان الصهيوني أيضاً في إطلاق تهديده القديم – الجديد بالتحرك منفرداً لضرب إيران، مع إضافة جديدة، هذه المرة، تتعلق بكشف بعض دوائره عن تنسيق كامل مع السعودية في هذا الأمر. وكل ذلك يحتاج رداً إيرانياً من نوع مناورات هرمز. رد يؤكد لأمريكا قوة الموقف الإيراني، ويحمّلها مسؤولية محاولة إفشال المفاوضات، وعرقلة التوصل الى الاتفاق، ويعيد الكيان الصهيوني الى حجمه الحقيقي الذي لم تعد لغة التهديد الأجوف قادرة على إخفائه، ويحذّر حكام الخليج من الاستمرار في خدمة المشروع الصهيوني، والرهان على الحضور العسكري الأمريكي في المنطقة…
الولايات المتحدة متأكدة من أن مشروع إيران النووي سلمي تماماً. استخباراتها تعرف ذلك، والموساد الصهيوني يعرف ذلك أيضاً. لكنها تشعر بأنها تواجه مأزقاً كبيراً، لأن قوة إيران وتعاظم دورها الإقليمي أصبحا حقيقة لا مفر من الاعتراف بها والتعامل معها، سواءً تم التوصل الى الاتفاق النووي أم لم يتم. والمناورات الإيرانية الجارية الآن هي، بضخامتها، ونوعيتها، وأهمية توقيتها ومكانها، أكبر دليل على ذلك.
بقلم: محمد كنايسي