المعقـول واللامعقول على الساحة العربية.. بقلم مهدي دخل الله

يستطيع الأديب الإيرلندي صموئيل بيكت أن يجد اليوم على الساحة العربية مسرحاً حقيقياً، أكثر عبثاً من مسرحه العبثي وأكثر لا معقولية من مسرح اللامعقول الذي برع فيه.

كان الفيلسوف الألماني هيغل يقول: «كل معقول واقع، وكل واقع معقول»، ولو أنه مع بيكيت عاد إلى الحياة وزار منطقتنا فسوف يجد كم كان مخطئاً في مقولته، وبغض النظر عن المضامين الفلسفية لمقولة هيغل إلا أن واقعنا غير معقول بامتياز ليس لأن هذه المنطقة تتعرض لأخطر موجة إرهاب عرفه العصر الحديث، فهذا موضوع يقبله العقل التحليلي، أما اللامعقول فهو في أساليب معالجة هذه الآفة الخطرة. اللامعقول ليس في توصيف الحالة وإنما في عدم التفكير «بتحالف جماعي» لمواجهتها، المرض معروف لكن علاجه ما زال في دائرة اللامعقول..

تتعرض المنطقة لتحالف رهيب بين إرهاب الدولة وإرهاب المرتزقة والمجموعات، إرهاب الدولة موصوف بالدعم المطلق الذي تقدمه دول عدة لإرهاب المجموعات، من هذه الدول على سبيل المثال لا الحصر تركيا وقطر وفرنسا والولايات المتحدة وإضافة إلى «إسرائيل» تواجه هذا الإرهاب بشكل أو بآخر دول عدة – سورية والعراق ولبنان ومصر وليبيا – وتتفق هذه الدول في مواقفها وسياساتها بأنها تواجه خطراً مصيرياً واحداً متحداً متحالفاً، هذا كله معقول، اللامعقول هو أنه كيف لا تشكل هذه الدول تحالفاً عسكرياً محدداً في مواجهة الخطر المشترك؟! لماذا لا نرى اجتماعاً عاماً لحكومات هذه الدول من أجل وضع خطة منسقة لمواجهة الإرهاب؟.

إن الرأي المشترك لدى هذه الدول يتطلب عملاً مشتركاً لمواجهة الحالة، فهذه الدول متفقة على خطورة الإرهاب على مصيرها، ومتفقة على أنه إرهاب واحد متحد، بل إنها متفقة على مسؤولية الدول التي تدعمه،أقله قطر وتركيا إضافة لـ«إسرائيل»، اللامعقول هو في عدم التحرك المنسق بمعنى إيجاد خطة مشتركة – بل وقيادة عسكرية وسياسية منسقة – لمواجهة الخطر المشترك، بغض النظر عن الخلافات الأخرى بين هذه الدول.

الحديث هنا ليس عن الروابط القومية باعتبارها مسوغاً للعمل المشترك، لا أبداً، الحديث عن المصلحة المشتركة لهذه الدول بمواجهة الإرهاب حتى ولو كانت من قوميات وثقافات مختلفة..

ألم يتحالف الأعداء الألداء في أوروبا – ستالين وتشرشل – في مواجهة الخطر النازي؟ ألم يتحالف الفرنسيون والبريطانيون – وهم تاريخياً متصارعون – في مواجهة ألمانيا؟ وفي السياق نفسه يأتي التحالف بين ستالين وروزفلت. كلهم – بكامل تناقضاتهم – دخلوا في حلف عسكري سياسي قوي لمواجهة الخطر النازي المشترك، هذا هو المعقول، أما اللامعقول فهو هذا التشرذم بين الدول العربية في مواجهة الإرهاب..

صحيفة تشرين