دمشق-سانا
اعتبره من أجمل اللقاءات التي حصلت معه في حياته المهنية فوصفه بـ “الوجداني والعاطفي” ليأتي على شكل خلاصة لتجربة الفنان القدير غسان مسعود بين أيدي طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية عبر “ملتقى الإبداع” وسط المكان الذي درس وتخرج فيه وعمل أستاذا لطلابه وعبره بنى حضوره المهني والأكاديمي في مجالات المسرح والسينما والتلفزيون وأوصله إلى العالمية.
غسان مسعود الذي كرمه المعهد المسرحي بطلابه وأساتذته يعد ذاكرة أساسية في هذا الصرح الأكاديمي الثقافي وأحد أعمدته فارتبط اسمه به كطالب متميز واستاذ متفان وفنان مسرحي قدير ونجم عالمي كبير فوضع عصارة سنواته المهنية وخبرته الواسعة بين أيدي الطلاب في حوار أكاديمي أداره الناقد سعد القاسم اتسم بالشفافية وبحرص الأب على أبنائه.
وفي البداية عبر مسعود عن سعادته قائلاً “هذا اللقاء العاطفي والوجداني أشعر من خلاله أنه الأبرز في حياتي ولا أعرف إذا كانت ستكرره الأيام” مستعرضا بداية دخوله للمعهد حيث كان يدرس اللغة العربية في ذلك الوقت وما قاله عرابه الأول المخرج الكبير فواز الساجر ونصيحته له أن يجعل الموهبة التي يمتلكها تأخذ شكلها الاحترافي.
كما استحضر مسعود حواره مع والده المحب لدريد لحام ومسرحه عندما أخبره بقراره دراسة المسرح حيث قال له “إذا كنت ستصبح مثله أو أن عملك سيكون بالقيمة ذاتها أدرس هذا الفن”.
وبين مسعود أن جيلهم في فترة الثمانينات كان محظوظا لأن المعهد شكل حالة تلاقح بين المسرحيين الدارسين في الشرق والغرب في آن واحد لأن هاتين المدرستين مختلفتان نسبيا عن بعضهما في التعاطي مع الخشبة.
هذا التباين كان ضروريا وفقا لمسعود لبناء فنان مسرحي لتكتمل الصورة عنده وليمتلك منهجا محكما لبناء الممثل على المستويين النظري والتطبيقي مبينا أن جيله عندما عمل بمجال التدريس عمل على نقل هذه الخبرات للطلاب.
وتحدث مسعود عن ابتعاد الجمهور عن المسرح كظاهرة بدأت منذ نهاية السبعينيات والتي أعادها لأن جيل المخرجين الأكاديميين من أوروبا الشرقية والغربية رغم امتلاكهم مستوى جيدا من المعرفة كانوا يقدمون عروضا نفذوها ونقلوها دون التدخل على مستوى البيئة الثقافية ودون مراعاة ما سماه المخرج الراحل فواز الساجر “الخاصية القومية”.
ومن الضروري وفقا لمسعود أن يعمل المخرج على إدخال الهوية الثقافية والإيقاع السوريين ليصبح العرض بالنسبة للمتفرج مقبولا وممتعا ومفيدا وقابلا للنقاش على مستوى المضمون والعناصر.
غير أن وجود أجيال متعاقبة من المسرحيين والنقاد أتاح كما يرى مسعود انتعاش المشهد الثقافي فترة التسعينيات فكان النقاش عاليا بين الجمهور والمسرحيين ما ساعد هؤلاء على تكوين هويتهم المهنية الأكاديمية وتحقيق المعادلة التاريخية والتقليدية وهي التوازن بين “المتعة والفائدة”.
ويؤمن مسعود بوجوب امتلاك الفنان للموهبة والمعرفة والصبر والعمل والحلم والحرية أي ان يكون حرا بالمعنى الاجتماعي فالفن بالنسبة له شخصيا هو “حلم وحرية”.
وتظل الخشبة برأي مسعود هي المختبر الأهم لبناء ممثل نوعي واستثنائي بعد أن يعبر المسرح تمثيلا وإخراجاً وتعليماً وثقافة ويختبر أدواته من خلاله.
وفي معرض إجابته عن أسئلة طلاب المعهد الذين طلبوا منه تقديم النصائح لهم أكد على وجوب المحافظة على النجاح وعدم الاستكانة له وحمايته وتكريسه وصونه من الغرور الموجود عند قسم من جيل الشباب.
ومن النصائح أيضا عند حضورهم عرضا مسرحيا أو فيلما سينمائيا ألا يبدوا رايهم فيه ويتركوا ذلك للمختصين وليس لطالب ما زال يتلقى علومه مبينا أن الرأي يحتاج إلى مخزون وتجربة وتراكم كمي ومعرفي وتطبيقي على أرض الواقع ونجاحات من بعدها يصبح تقديم الرأي ذا قيمة فكرية.
وعند استفسار الطلاب منه بما يرافقه من “شك وقلق” في أعماله وحياته قال مسعود “هما ضروريان للفن لكونهما خاصية إبداعية ليست فقط مرتبطة بالممثل وإنما مرتبطة أيضا بكل أشكال الإبداع وهما يحفزان الذاكرة الإبداعية والخيال على الإنجاز والإنتاج”.
ويعتبر مسعود أن الفنان لا يستطيع العمل بالسياسة لأنه ذو طبيعة عقلية ساخنة بعكس الطبيعة الباردة عند المشتغلين بالسياسة لكون الفن يعمل على الغرائز والعواطف والمشاعر والأحاسيس ومن هنا يتشكل عنده القلق والشك.
وعن مواجهة الظروف التي يمر بها الطلاب والأساتذة في هذا الوقت العصيب قال مسعود “اعملوا واصبروا وابعدوا عنكم شماعة المظلوميات والمعهد يعلم الطالب كيف يكون عنصرا فاعلا في المجتمع وقادرا على التواصل معه أكثر بطريقة بناءة قائمة على الاستيعاب والمعرفة فالشخصيات التي ستجسدونها تأتي من هذا المجتمع”.
ويدعو مسعود الطلاب للاهتمام بما بين أيديهم والتركيز والانتباه والالتزام ووضع مسؤولية النجاح أمام أعينهم ليكونوا مشاريع ممثلين مهمين في المستقبل.
وعرج مسعود إلى تجربته العالمية حيث بين أنه عمل مع نجوم كرسوا انفسهم لأداء أدوارهم دون أن يكون عندهم مشاكل أو هموم ضاغطة بينما تفرغ فريق العمل لتأمين ظروف ومناخات لإبداعهم مشيرا إلى أننا نمتلك على مستوى المواهب كوادر مؤهلة بفن التمثيل نستطيع أن نفاخر بها العالم.
وانتزع عميد المعهد العالي للفنون المسرحية تامر العربيد من الفنان غسان مسعود وعدا أمام الطلاب للعودة إلى المعهد وإعطائهم من خبرته حيث وصف التدريس بعملية اكتشاف متواصلة لا تتوقف عند حد فن التمثيل والإخراج وتعميق المعرفة بالجسد وهو بالنسبة له أهم من الإخراج والتمثيل وأصعب منهما وتجربة بحد ذاتها اكسبته معارف جديدة.
وعندما يزاول مسعود التدريس فإنه كما يقول يشعر بأنه يذهب إلى أمزجة الطلاب هؤلاء الشباب الصغار الذين جاؤوا من بيوت وأنماط تربوية وثقافات متنوعة وعليه أن يدخل إلى عقولهم جميعا كي يعرفها ويوالف بينها وينشئ معهم علاقة ثقة لينهلوا من أستاذهم إلى يوم تخرجهم في المعهد ويخوضوا غمار الحياة.
رشا محفوض