في صراع المحاور

معالم الخريطة الجيوسياسية في المرحلة المقبلة بدأت تتشكل، في ضوء ما أفرزته “الفوضى الخلاقة” خلال الأعوام الأربعة الماضية، بين محورين لا ثالث لهما، الأول محور المقاومة والقوى الصاعدة الساعية إلى الانعتاق من الهيمنة الغربية على الثروات والقرار العالمي، ومحور الشر، الذي يحاول حتى الرمق الأخير استخدام نفوذه في المنطقة للحفاظ على مركزه ومصالحه، وبالطبع أمن الكيان الصهيوني.

ولا شكّ أنّ محور ما يسمى “الاعتدال” العربي، ممثلاً بأنظمة الخليج، قد انتهى، بعدما وضع بيضه كله في سلة أمريكا و”إسرائيل”، راجين مدّ عمر أنظمة آيلة للسقوط منذ زمن بعيد، فيما بقي أردوغان يغرد خارج السرب وحده، ويغرق في أحلامه الطورانية بإعادة أمجاد سلطنة أفل نجمها، ولا يجد حرجاً بأن يسفر عن وجهه القبيح في التدخل بشؤون المنطقة، مستخدماً ما تبقى من تنظيم الإخوان، لإثبات وجوده، وهو في هذا السياق سمح بإنشاء قناة إخوانية مصرية تبث من تركيا هدفها زعزعة أمن مصر وتصوير الوضع في أرض الكنانة بأنه على شفا الانفجار، وتهدد الغرب بضرب مصالحه، إن لم يوقف الاستثمار في البلاد، بالمقابل جاءت ردود فعل مشايخ وأمراء البترودولار وحليفهم في لبنان “تيار المستقبل” على عملية المقاومة في مزارع شبعا لتؤكّد بما لا يدع مجالاً للشك أنّ هؤلاء يدافعون عن الكيان الغاصب أكثر من الصهاينة أنفسهم.

وفي هذا الإطار، وغداة تلقين المقاومة درساً للكيان الصهيوني، جعلهم يفكرون ألف مرة قبل القيام بعدوان جديد، استهدف تكفيريو جبهة النصرة حافلة ركاب في دمشق لرفع معنويات نتنياهو، ويقدّمون له عربون وفاء وصداقة ويشدون على يده للاستمرار في تكرار اعتداءاته على سورية ولبنان.. ولو وسّعنا دائرة الرؤية نجد أنّ الرئيس الأمريكي باراك أوباما يعزف على نفس الوتر، فهو صرح مؤخراً بأنّ إدارته تستطيع إلحاق الأذى بروسيا، وقد فعلت ذلك، حسب زعمه.

إذن، فإنّ مشهد صراع المحاور بات واضحاً أكثر من أي وقت مضى، وهذا يحتّم على الدول المستهدفة من الامبريالية العالمية والرجعية العربية مواجهة المخطط الصهيوأميركي بما يواكب طموحات الشعوب، بعدما بدأنا نلحظ بوادر تشكّل رأي عام لاتخاذ خطوات حقيقية نحو التعاون مع سورية، التي دافعت عن هوية الأمة خلال الحرب التي شنّت ضدها، ومساعدتها في القضاء على آفة الإرهاب, من خلال تشكيل تحالف جدي للقضاء على التكفيريين..

صراع المحاور لا يزال على أشده، والفرصة باتت مواتية للمحور الساعي لإعادة التوازن للقرار الدولي لتحقيق آمال شعوب بذلت الكثير من الدماء في سبيل إنهاء الهيمنة الغربية، خاصة بعد ارتداد الإرهاب وحرقه أيادي من أوقده وعمل على دعمه، وأصبح تحالفهم الهلامي في طور التفكك والاندحار.

بقلم: عماد سالم