الشريط الإخباري

الغـربال الغــربي..!!

استنفر الغرب مفرداته لإدانة الجريمة الشنعاء التي ارتكبها تنظيم داعش, بطريقة لا أحد يختلف على وحشيتها وهمجيتها، لكنها لم تكن الوجه البشع الوحيد للتنظيم ولا الجريمة الشنعاء اليتيمة، ولا هي الحالة الوحيدة التي قد يقدم عليها لاحقاً وإن اختلف السياق أو الاتجاه.

بين غربال الغرب وشيطانه الأخرس ترعرع داعش وانتعش وتمدد وتحول، وفي الغربال ذاته كانت الجرائم التي ارتكبها داعش بحق السوريين تمر في الغرب الذي صمت حيناً وشجع أحياناً وساهم في كل الأحيان!!‏

فالتنظيم أعلن منذ بدايته عن هويته الإجرامية ومارس تلك الإجرامية بصور مختلفة ومتتالية، وكانت كل جريمة تضيف إلى ما سبقها، وكثير منها لم يستدعِ أن يصدر عن الغرب كله من يمينه إلى شماله، ومن غرب غربه إلى غرب شرقه، كلمة إدانة واحدة على كل جرائمه البشعة التي اقترفها بحق السوريين جميعا.. واستمرأ داعش بناء على ذلك الموقف في تقديم حالات من الإجرام الإضافية كلما سنحت الفرصة، ولم يتردد أن يراكم عليها في الكم والنوع.‏

ورغم أن المقارنة لا تحتاج إلى مزيد من القرائن فإن أحداً في الغرب لم يسأل نفسه عن المسؤولية التي تتحملها سياسته في تلك الجرائم، حين غض الطرف عن منابع التمويل وتجنيد الآلاف من المرتزقة على مدى سنوات خلت، وحين فكر في اتخاذ إجراء عملي جاء دعائياً ومنافقاً وسطحياً أكثر ما هو واقعي، بل حملت التسربيات الإعلامية عن التمويل الأميركي لداعش سيلاً من التكهنات المثيرة مع ما تطلبه من تغطية سياسية للدول الإقليمية الداعمة على الاستمرار في التمويل والاحتضان والرعاية دون أن تحرك أميركا وحلفاؤها ساكناً حيال ذلك.‏

النحيب الغربي على الجريمة الداعشية ليس جديداً في المنطوق الغربي، ما دام الغربال السياسي المستخدم هو ذاته، رغم فشله في حجب الحقيقة، بعد أن مرر خلال ثقوبه الصالح بالطالح، وصنّف وفق معياره الإرهاب بين جيد وسيئ، رغم إدراك الغرب أنه لا يوجد إرهاب جيد وكل إرهاب هو سيئ بالمطلق والأسوأ منه من يدعمه ويحتضنه.‏

اللافت أن التباكي الغربي يستند إلى مقولات جاهزة كان قد أعدّها سابقاً، ولا يخفي نيته باستخدامها لاحقاً على مبدأ البحث في الزواريب الجانبية عن محطات وحكايا انتقائية ساهمت إلى حد بعيد في تورم الخطر الداعشي، وفي تفشي عدوى جرائمه الوحشية تحت انظار الغرب، ووفق إحداثيات ملفاته الاستخباراتية المودعة في الأدراج الإقليمية كجزء من المهمة الوظيفية.‏

وجاءت أقوال أقارب الطيار الأردني التي حمّلت النظام الأردني والتحالف الأميركي مسؤولية ما جرى، لتفضح ما تبقى من أوراق مستورة في النفاق الغربي والإجرام الإقليمي، ودفعت إلى الجزم بأن المسؤولية لا تقتصر على الأردن والتحالف وإن كانا شريكين مباشرين في المسألة، بقدر ما تشمل الغرب الاستعماري كله، وبقدر ما تنسحب أيضاً على الدول الإقليمية التي دعمت وساندت الإرهاب ولا تزال حتى اللحظة.‏

من المحسوم أن الغرب لم يصل إلى صحوة ضمير، ولا يريد، ما دام الغربال السياسي لديه يعمل على مدار الساعة في محاصصته على الجريمة، وهول الجريمة الأخيرة النكراء والشنيعة لم يحرّك فيه أكثر مما حركت فيه الجرائم السابقة، وبعضها لم يرف له جفن إزاءها، لكنه في الوقت ذاته لن يتردد في توظيف ما نتج حتى إشعار آخر، ولن يتوقف عن استغلال ما ينتج لمصلحة أطماعه، ويمكن قراءة ذلك بوضوح في تصريح زعمائه من البيت الأبيض مروراً بباريس ولندن وغيرهما وصولاً إلى الكثير من العواصم الإقليمية التي بدأت تشعر بأن «البلّ وصل إلى ذقونها» ما دامت الحلاقة الداعشية بدأت بالأردن.‏

والمؤكد أن الكثير من تلك الدول الإقليمية لا تزال تصرّ على دفن رأسها في الرمال حتى وقت آخر، وإن عوراتها التي بانت وظهرت لا تقدم الكثير ولا تعدّل في الميزان، بقدر ما تحمل مؤشرات أن الجريمة التي دوت في عواصم المنطقة وخارجها ستكون مطية للغرق في المستنقع ذاته، بدافع إرضاء الغرب والإبقاء على حمايته لتلك الدول الوظيفية وأدوارها القذرة في دعم الإرهاب.‏

الأخطر أن تكون الجريمة مجرد قصف تمهيدي لفصول من الجرائم المنتقاة على المقاس الغربي وعلى معيار مصالحه، فيما المنطقة تغرق في حسابات جزئية وظواهر صوتية عبّرت عنها الكثير من المواقف حين أدانت الجريمة ولم تدفعها إلى مراجعة حساباتها وتغيير معادلاتها المرسومة، والخشية أن تظل كذلك حتى يفوت الأوان، حين لا تنفع المراجعة ولا تصلح المكابرة ولا تجدي المغامرة!!!‏

بقلم: علي قاسم