الشريط الإخباري

حروف من نور في سجل حياة مهران معلا جندي الأمس وصحفي اليوم

دمشق–سانا

برفقة السلاح والكتاب قضى مهران معلا سنوات خدمته في الجيش العربي السوري صديقاً للحياة غير آبه بالموت ليبدأ محطة جديدة بعد تسريحه استهلها بالتميز والإصرار.

مهران الذي حصل على المركز الأول في اختصاص الإعلام بمسابقة المسرحين وعين حسب رغبته في الوكالة العربية السورية للأنباء سانا لم ينتظر الأسئلة حتى استهل حديثه عن فترة خدمته قائلاً: “ست سنوات ونصف لا تنسى من عمري فيها دروس وعبر فالجيش العربي السوري مصنع الرجال حيث نختبر صبرنا ونعتزل الخوف ونتعلم التضحية والانتصار وفيه تنصهر الأنا ويتوحد الوجدان بقدسية الوطن والدفاع عنه”.

وتابع: “في عام 2013 وبعد تخرجي بثلاثة أشهر التحقت بالجيش العربي السوري تلبية للخدمة الإلزامية وقضيت خدمتي في منطقة مشتعلة بمواجهة الإرهابيين في حمص كلفت خلالها بمهمات عديدة بين حقل الشاعر ومهر وغيرها”.

يقلب معلا الصور التي يحتفظ بها على جهاز الموبايل ويقف عند بعضها ينظر بتمعن ويروي عن مكانها وشخصياتها بكثير من الحنين المتسلل إلى عباراته المتدفقة قائلاً: “هؤلاء رفاق الخطر والشجاعة فلم نعرف الخوف أبداً بل كنا نذهب للمعركة بابتسامة ونطلب الموت بإيمان، مرت أيام لم نعرف فيها النوم كنا نواجه الخطر بإصرار لأننا على يقين أننا نحمي وطنا أثمن من أرواحنا وأرضه مروية بدماء أجدادنا وآبائنا”.

يشير معلا إلى أحد رفاقه في الصور ويحبس نفساً عميقاً ثم يروي بصوت منسوج بالحزن “هذا زميلي النقيب آشور يوسف قورياكس كان يمتلك فكراً عسكرياً تكتيكياً متميزاً استشهد في تفجير الموقع على يد الإرهابيين الدواعش الذين باغتوا المكان من الخلف وفجروه، أحزنني استشهاده فقد كان سنداً بكل ما تعني الكلمة من معنى”.

ثم انتقل ليتحدث عن أحد رفاقه الذين التقى بهم في الجيش مردداً اسمه علاء الزرعوني: استقبلني أول وصولي إلى النقطة بترحيب كبير وفي اليوم الثاني التقينا في موقع الاشتباك وكان قيد الانتهاء ورفاقه من المهمة التي استلمناها منهم فأعطاني معطفه وقال لي: “هذا لك أنهيت خدمتي في هذه المنطقة الباردة وهذا المعطف رد عني البرد والمطر وسيرد عنك ذلك وفعلاً احتفظت بهذا المعطف إلى اليوم ولن أنسى هذا الموقف ما حييت”.

وأضاف معلا: “رفاق السلاح يشبهون سورية بجغرافيتها وتنوعها فكل واحد منهم جاء من محافظة لكن اجتمعوا على حب وطنهم وتقديم الغالي والنفيس لأجله وهم متشابهون بالمروءة والنبل والإقدام”.

ويستذكر معلا رفاقه الذين استشهدوا أمامه واصفاً لحظة استشهادهم بانهيار الجبل راويا لحظة استشهاد أحد اصدقائه في أحد الاشتباكات كيف حمله وحاول إنقاذه لكن الموت كان أقرب ففارق الحياة ولم يستطع أن يفعل شيئاً مستدركاً بقوله: “لكن عندما أمر بالمناطق المحررة أشعر أن دماء شهدائنا أثمرت نصراً وتحريراً وأنهم عظماء بما قدموا لأجل سورية”.

معلا الذي عشق القراءة والمطالعة اصطحب خلال خدمته الكتاب خليلاً يؤنسه ودليلاً يرشده فقرأ أكثر من سبعين كتاباً كما كتب القصائد والنثر مشيراً إلى أنه في تلك السنوات اقترب أكثر من موهبته فالاندماج بتضاريس الوطن والتعلق بترابه ومائه وهوائه يجعله بوصلة الحياة يجتمع فيه حب الأم والأب والعائلة والقرية وحتى المحبوبة.

ولفت معلا إلى أن لديه ثلاثة أخوة يخدمون في الجيش في فترة واحدة بمناطق متفرقة منها درعا والقنيطرة وإدلب كان يتواصل معهم باستمرار أثناء خدمته يطمئن عنهم ويرفع معنوياتهم مضيفاً: “كنت أخاف على إخوتي أكثر من خوفي على نفسي”.

وعن لحظة التسريح وصف معلا هذا الخبر بالمفرح والمحزن معاً مفرح بسبب عودته للحياة المدنية ولا سيما بعد أن تعافت سورية من رجس الإرهاب ومحزن لأنه سيفارق رفاق السلاح الذين تقاسم معهم الحياة والموت طيلة سنوات.

بعد التسريح عمل معلا بعيداً عن الصحافة لكن تقدمه إلى مسابقة المسرحين بعد عام من التسريح كان العلامة الفارقة التي غيرت شكل حياته حيث حقق المركز الأول على اختصاص الإعلام من بين 26 متقدماً ونال رغبته بحسب اختياره وكالة سانا التي انبثقت من حلم راوده عندما كان يمر من جانب مبناها وهو طالب في الجامعة بأن يعمل بها يوما ما.

واليوم بعد أكثر من أربعة أشهر من العمل في وكالة سانا بدأ معلا ابن الـ 32 عاماً يشق طريقه المهني ويرسم ملامح حياته بكثير من الشغف والحماس لمهنة أحبها ووطن عشقه يؤمن باسمه ويعمل لرفعته ويختم بقوله: إن أي شخص يستطيع أن يؤدي واجبه تجاه وطنه بصدق وإخلاص أينما كان وسورية لن تعمر إلا بمحبة أبنائها وإخلاصهم في العمل والانتماء فهي العصية على كل من يحاول تدميرها أو تخريبها والتي سقاها أبناؤها بدمائهم لتحيا عزيزة مصانة.

مها الأطرش