الشريط الإخباري

“حلف لعقة الدم”

لم يكن المشهد السياسي، الإقليمي والدولي، أكثر وضوحاً، عبر تاريخه، من حاله اليوم، ويكفي أن نقرأ الدلالات البعيدة للأحداث التي رسمت هذا المشهد في الأيام والأسابيع القليلة الماضية لنفهم ذلك، ومن هذه الأحداث: غارة عدوانية “إسرائيلية” على المقاومين في القنيطرة، و”غارة” عدوانية سياسية وكلامية عليهم في بيروت، وشهداء في تفجيرات إرهابية استهدفت دمشق وبغداد وسيناء، وواشنطن تستقبل وفداً “إخوانياً” رغم انكشاف أفعاله وأفكاره “التنويرية”، بالتزامن مع الكشف عن تعاون واشنطن و”تل أبيب” و”أجهزة استخبارات عربية” في اغتيال المقاومين وحماية المساومين في المنطقة.

والحال فإن الأمر ليس معقداً كما يبدو من الوهلة الأولى، فبكل بساطة هي مرحلة يتزامن فيها إطلاق النار على الأجساد، مع إطلاق النار على الأفكار، ففيما يقوم الإرهاب بدوره في قتل البشر وتدمير أسس صمودهم المادية، تقوم وسائل الإعلام الموجهة بعملية كي الوعي، عبر إبراز العدو بصيغة “السوبرمان” غير القابل للهزيمة، ويساعدها في تحقيق أهدافها أن العرب، بأغلبيتهم الساحقة، جاهزون لذلك، فالتاريخ عندهم ليس سوى “أيام” منبتة الصلة بما قبلها وما بعدها، فلا بناء ولا تراكم، لذلك يتعاملون، حتى في التحليل، مع كل معركة على أنها الأولى، وحين تنتهي ينتهي كل شيء، دون أن يضعوها في سياقها الطبيعي التاريخي، وحتى دون أن يقرؤوا دروسها وعبرها كي يتعلموا ويتحضروا للمواجهة المقبلة، وعندها يكون من الطبيعي أن يؤخذوا على حين غرة كل مرة، فيما الآخرون يخططون للمستقبل البعيد، وقد خططت أمريكا مثلاً منذ الخمسينيات كي تستخدم القوة الهائلة الكامنة في فكرة “الجهاد الإسلامي” لضرب القوة الهائلة الكامنة لفكرة الاشتراكية عند أعدائها “السوفييت”، وهو ما نجح في أفغانستان، كما لضرب القوة الهائلة الكامنة لجوهر الإسلام السمح ذاته لاحقاً، وهو ما نرى نتائجه اليوم، وللتذكير فإن منظمة “المؤتمر الإسلامي” هي، بحسب “بريجنسكي” فكرة أمريكية لضرب القوة الهائلة والكامنة أيضاً في فكرة العروبة الجامعة.

بهذا المعنى، فإن ما يحدث اليوم، ليس “يوم حلف محاربة الإرهاب” كما يعتقد البعض، بل هو خطوة محددة لضبط أسس التحالف “التكفيري الصهيوني”، الذي أُنشأ لضرب جيوش المنطقة العقائدية، بعد أن “أفتت” واشنطن بأن القتال ضدها “فريضة واجبة”، وهو الحلف الذي تفلّت شقه التكفيري قليلاً مغرداً خارج السرب، ما استدعى إعادته إلى الحظيرة، وتوجيهه في مساره المرسوم سلفاً.

يبقى القول: إن الرهان على الرأي العام الغربي، هو رهان أثبت التاريخ القريب أنه خاطئ، فبعد أن ضربت واشنطن عرض الحائط بهذا “الرأي” حين أغارت على العراق، ها هو جون ماكين يصف معارضي الحرب الأمريكيين بأنهم: “حثالة المجتمع”، ومعروف كيف يتعامل المجمع الصناعي العسكري الحاكم هناك مع “الحثالة”، سواء عبر الترهيب وإعادة تصنيع “رأيها” العام، وهو ما قامت به “11″ أيلول الأمريكية، و”شارلي أبيدو” الفرنسية، أو عبر الترغيب بالرفاهية المبنية على السطو على خيرات بقية دول العالم.

أما الرهان الوحيد الرابح فهو على القوة المادية والمعنوية الذاتية، والمشهد الإقليمي والدولي الجديد الذي يرتكز بصورة رئيسية على صمود دمشق، ومعادلات المقاومة الناجحة لردع العدو، وحراك اليمن الجديد الذي يكتب تاريخاً جديداً جنوب شبه جزيرة العرب بما يحمله المكان من مدلولات مكثفة جغرافياً ودينياً ونفطياً واستراتيجياً.

ولأن المعركة بهذه الحدة والتشعّب مع عدو اعتاد استغلال نقص، بل غياب، التفكير الاستراتيجي التراكمي لدينا، ولأن العرب لا زالوا عند فكرة “الأيام” فليتذكروا على الأقل يوم “ذي قار” بمدلولاته التوحيدية، أو يوم “حلف لعقة الدم”، الذي أبت العنجهية “الإسرائيلية” والحسابات الخاطئة سوى أن تعيده للحياة على أرض دمشق، العاصمة التي اعتادت قراءة وفهم التاريخ على أنه بناء وتراكم وليس “أياماً” منفردة ومتقطعة، لذلك كانت دائماً أول من يستأنف فعل الحياة، وستفعلها اليوم أيضاً.

أحمد حسن

انظر ايضاً

الجولان في القلب بقلم: طلال ياسر الزعبي 

بعد مرور واحد وأربعين عاماً على قراره ضمّ الجولان العربي السوري، هل استطاع الكيان الصهيوني …