دمشق-سانا
تشكل المواقع الأثرية السورية المؤرخة في عصور ما قبل التاريخ والمنتشرة بشكل خاص حول وديان الأنهار والسواحل البحرية واحدة من أهم الاماكن التي استوطنها الإنسان منذ أكثر من مليون عام.
ويقول المؤرخ الدكتور محمود السيد نائب مدير المخابر وقارئ النقوش الكتابية القديمة في المديرية العامة للآثار والمتاحف.. إن بقايا الأوابد الأثرية السورية المؤرخة بعصور ما قبل التاريخ توثق براعة السوريين في مجال التنظيم المكاني للمساحات القروية والعمارة وتلقي الضوء على أنماط المغارات والكهوف والأكواخ التي سكنها الإنسان قديما ومن ثم الانتقال إلى السكن في بيوت بيضوية ودائرية ومستطيلة بنيت من الطين والحجر ومن ثم من اللبن ورصفت أرضيتها بالحجارة أو طليت أرضها بالملاط الأبيض القاسي وزودت بالمواقد والصوامع.
ويضيف السيد إن ما يشهد على تقدم فن العمارة في سورية خلال عصور ما قبل التاريخ أرضية سكن تؤرخ بالعصر الآشولي الأوسط اكتشفت في موقع الميرة وأرخت حسب الطريقة المغناطيسية القديمة التي تعتمد على قياس التأثير المغناطيسي للأجسام المغناطيسية التي تشكل جزءا من الموقع الأثري أو دراسة سجل المجال المغناطيسي للأرض في الصخور بنحو 700 ألف سنة ق.م.
ويوضح المؤرخ أنه عثر في موقع اللطامنة على بقايا معسكر ذي أرضية سكن سليمة موءرخ بنحو نصف مليون سنة ق.م أو أكثر بقليل حسب طريقة التحليل باليورانيوم ثوريوم التي تعتمد على قياس نسبة تركيز اليورانيوم ثوريوم في صخور القشرة الأرضية لتحديد عمر الحفريات الادمية وشيد سكان اللطامنة في حوض العاصي لأول مرة في العالم خارج أفريقيا أكواخا بسيطة من الأغصان والجلود ودعمت الجدران بواسطة حجارة كبيرة توءرخ بنحو نصف مليون سنة كما بنيت أكواخ في موقع القرماشي جنوب اللطامنة تؤرخ بنحو 300 ألف سنة لافتا إلى أن المعطيات الأثرية دلت على استخدام النار في هذا الموقع ما أكسبه صفة أحد المواقع النادرة في العالم.
ويشكل موقع جعدة المغارة الأثري المبني على تل منخفض والواقع في أعلى قره قوزاة شمال غرب حلب و المتوضع على المصطبة العليا للضفة اليسرى للفرات و المتصل مع سهب الجزيرة والوادي أحد أهم الأدلة على الاستقرار السكاني والتطور العمراني في سورية خلال العصر الحجري الحديث فقد اكتشف في موقع جعدة المغارة بقايا بيوت صغيرة مستطيلة الشكل معزولة عن بعضها ومنفصلة بفراغات واسعة بدون غطاء و توءرخ بعصر النيوليت ما قبل الفخار بالقديم بنحو النصف الثاني من الألف التاسع ق.م بحسب نتائج التحليل بالكربون سي 14 وقد بنيت الجدران من اللبن مع دعامة من الحجارة ضعيفة المرونة ومن أرضية ترابية مبنية من الحجارة المقطعة ويؤكد وجود الأعمدة المثقوبة على أن الأبنية من طراز الأبنية الخفيفة المبنية من مواد قابلة للزوال وتؤكد وجود بقايا ترميم فيما يخص الطلاء و الأرضيات على خضوع هذه الأبنية إلى عمليات صيانة وترميم بشكل دوري.
ولفت المؤرخ إلى أنه تم العثور في الموقع على بناء دائري قطره 5ر7 م و له عمود مركزي تستند عليه قطع خشبية وأغصان تشكل السقف ذا استخدام جماعي سمي بيت الرسومات ففيه اكتشفت رسوم زخرفية هندسية الشكل رسمت على ثلاثة جدران فيه أقدم رسوم جدارية مكتشفة إلى الآن في منطقة الشرق الأوسط وأقدم رسم على جدار مبني بواسطة الإنسان في العالم ينسب تاريخه إلى العصر الحجري الحديث أي نحو11 ألف عام نهاية الألف العاشر بداية الألف التاسع قبل الميلاد وفقاً للنتائج المستخلصة من تحليل الكربون 14سي ما يؤكد آثارياً أن ظهور العصر الحجري الحديث في منطقة الشرق الأوسط وبالتحديد في شمال سورية قد سبق ظهوره في أوروبا.
كما عثر في موقع تل حالولة الأثري في منطقة الفرات الأوسط في عام 1997 على مجموعة رسوم في أرض أحد المنازل تنسب الى العصر النيوليتي ما قبل الفخاري الوسيط تؤرخ في الفترة الواقعة ما بين 8800 و8500 عام قبل الميلاد وتمثل الرسوم ثلاثاً وعشرين امرأة مرتبة بعناية و موزعة حول مربع و قد رسمت بالطلاء الأحمر الداكن على أرضية من الجير أو الكلس غطت الجزء الرئيسي من المنزل وهذه الرسومات تمثل أقدم رسم لإنسان معروف في منطقة الشرق الأوسط ويؤكد أن الرسوم أصبحت جزءا أساسيا من عناصر الزخرفة و ديكور المنازل في سورية.
عماد الدغلي