دمشق-سانا
يرى التشكيلي فداء منصور حبيبته في لوحته ويجد فيها الأنا العليا لديه كفنان والتي تحاول دائما تجسيد الكمال عندما يصل الإحساس بالأشياء إلى الذروة فيخاطب الإنسان العميق في نفسه عبرها بعلاقة ترتكز على الصراحة والعشق.
وعن غلبة الأسلوب الواقعي على أعماله يقول التشكيلي منصور في حديث لـ سانا: لم أختر الأسلوب الواقعي لكنه غالب في لوحاتي لتقديم رؤيتي للواقع بلمستي الخاصة من خلال اختيار المواضيع التي تروي قصة أو تمنح فرصة للتأمل ويأتي ذلك لإيصال اللوحة للحالة التي أقتنع بأنها اكتملت مبينا أن اللوحة لديه اشتغال على معادلة تزاوج بين الفكرة واللون ليكون راضيا عنها في النهاية.
وعن أثر الأزمة على عمله الفني يوضح منصور أن الأزمة أرهقته وأعطت لوحاته مسحة من الشحوب ويقول.. أهرب دائما نحو الأمل والحلم الأجمل بالحياة التي نتمناها جميعا كسوريين لذا حاولت في لوحتي التركيز على التفاصيل الصغيرة في بلدي كالطبيعة أو ملامح شخص ما التي توحي بجمالية الوطن رغم أني مقل في إنتاج الأعمال بسبب عدم وجود حالة فنية دائمة تتملكني وللظروف الحياتية الصعبة.
ويرى منصور الذي نال المرتبة الثانية في تصويت شخصية العام الفنية على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي أن واقع التشكيل السوري اليوم أفضل من السنوات الثلاث الماضية بسبب النشاط الزائد من بعض القائمين على الفن التشكيلي في المؤسسة الثقافية وفي شبكات التواصل الاجتماعي لافتا إلى أن هناك اهتماما واضحا من قبل التشكيليين السوريين بمواضيع الطفولة حيث أثرت الأزمة على كثير من أعمالهم من حيث قسوة الأحداث أو الأمل والتفاؤل بالحياة.
ويجد منصور أن نشاط المؤسسة الثقافية الرسمية واتحاد التشكيليين يعتبر مقبولا ضمن الظروف الصعبة الراهنة ويقول: إن هناك فعاليات تشكيلية وثقافية مهمة جدا ومشاركات واسعة ومنها توقيع مذكرة تفاهم بين وزارتي الثقافة والسياحة والتي شاركت فيها لكن لم يصل الاهتمام بعد إلى الحد المطلوب من حيث إيصال هذه الأنشطة والفعاليات والمعارض إلى الشريحة الأكبر من الناس أو الوعي بأهمية ملامستها للواقع على أمل أن يتطور العمل الثقافي باستمرار للوصول إلى الحد المطلوب لبناء المجتمع.
ويحضر التشكيلي منصور لمعرضه الفردي الأول بعنوان “تفاصيل صغيرة وحلم كبير” والذي سيكون في شهر آذار القادم بالمركز الثقافي العربي بأبو رمانة بدمشق ويشير إلى أن التشكيل السوري في الخارج غير ملحوظ بالشكل المطلوب فهو يعتبر ضئيلا ومقتصرا على بعض فعاليات الجاليات السورية لافتا إلى أن عددا قليلا من الفنانين التشكيليين السوريين في الخارج لامسوا الأزمة في لوحاتهم.
ويعتبر أن سوق الفن داخل سورية خلال الأزمة ضعيف جدا نظرا لتردي الوضع الاقتصادي وانعدام السياحة وصعوبة التنقل وغياب الاستقرار النفسي الذي يشجع على الاقتناء حيث يعتمد أغلب الفنانين على علاقاتهم الشخصية لتسويق أعمالهم مع محاولات من قبل وزارة السياحة للتشجيع على الاقتناء في عدة معارض.
وعن واقع التعليم الأكاديمي الفني يؤكد المدرس في معهد الفنون التطبيقية أن التعليم الأكاديمي التشكيلي لدينا يعتبر جيدا مع وجود أساتذة فنانين مهمين وطلاب موهوبين ويقول.. يميل معلمو الفن لدينا إلى ترك الحرية للمتعلم ولكني أجد أن المتلقي بحاجة إلى أكثر من ذلك بأن نعلمه ونعمل أمامه ونمسك بيده إلى مرحلة تخطي العقبات لافتا إلى أن المشاركات في الفعاليات الخارجية غير متوافرة حاليا وهذا يؤثر على الطلاب ويحد من قنوات الاستفادة لديهم.
ويعتبر منصور أن الجيل الشاب من التشكيليين لدينا هو طموح ومثابر وموهوب لكنه يحتاج إلى دعم مادي ومعنوي لإيجاد أجواء من التعاون والتفاعل وبالتالي يتم ذلك باختيار الأشخاص الجديرين بالدعم ليقدموا تجاربهم الفنية المهمة معتبرا أن اتجاهات الحداثة في أعمال الفنانين الشباب لابأس بها مع ضرورة التفريق بين الجموح نحو الحديث والهروب من الأكاديمية.
ويضيف.. يجب امتلاك الفهم الأكاديمي للفن لدى الفنانين الشباب ومن ثم ينتقلون لحرية التعبير الفني.. لذلك أنصحهم بالصدق أمام أعمالهم والبعد عن التقليد والاهتمام بإحساسهم الخاص مع سعة الاطلاع على التجارب العالمية والتزود بالثقافة الفنية.
ويجد منصور أن الفن التشكيلي ملامس للتاريخ وللحب والجمال والأمل والحياة اليومية والتراث لذلك يجب أن يكون فعالا دائما من خلال إشراك العدد الأكبر من الفنانين فيه ليكونوا بمستوى المسؤولية أمام بلدهم مشددا على أهمية دعم الفنانين الشباب من قبل جميع الوزارات وأولاها الثقافة والسياحة والتربية والتعليم العالي.
ويعبر منصور عن تفاؤله الكبير بمستقبل الفن التشكيلي السوري ويختم بالقول.. إن الفن قضيتي التي أحملها على عاتقي إيمانا مني بضرورة أن ينمو ويتطور الفن في بلدي ليضاهي الفنون في الخارج لافتا إلى أن هناك الكثير من الفنانين الذين يعملون على ذلك الحلم إلى جانب اتساع محبة الناس وعشقها للفن وازدياد اهتمامهم وهذا شيء يدعو للتفاؤل.
والفنان فداء منصور من مواليد مدينة جبلة وتخرج في كلية الفنون الجميلة بدمشق عام 1999 وأكمل فيها الدراسات العليا حتى 2001 وهو مدرس في معهد الفنون التطبيقية بدمشق منذ عام 2004 وحتى الآن وله العديد من المشاركات في معارض جماعية داخل سورية.
محمد سمير طحان