دمشق-سانا
التراث الثقافي هو ميراث الموارد المادية المتنقلة وغير المتنقلة والصفات المميزة غير المادية لمجتمع ما موروثه من أجيال سابقة ومازالت قائمة في الحاضر وستخصص لفائدة الأجيال المستقبلية ويشمل التراث الثقافي الملموس أو الماديّ المباني والأماكن التاريخية والنصب التراث غير المتنقل والحرف التراث المتنقل الواجب الحفاظ عليها للمستقبل وهي تضمّ مقتنيات هامة في الآثار أو الهندسة أو العلوم أو التكنولوجيا في ثقافة معينة ويتضمن التراث كذلك خصائص طبيعية قد تتمتع بصفات مميزة ثقافية.
ويمكن للأماكن والحرف التراثية أن تحتوي على عنصر غير ماديّ وهي مرتبطة بالقيم والعادات والتقاليد المنقولة شفوياً والمعتقدات والخرافات في ثقافة ما وبالتالي بالهوية الجماعية لمجتمع معين أو جماعة صغيرة معينة وان أيّ تراث ثقافي وبالأخصّ المواقع والحرف التراثية لديها قيمة اقتصادية كعنصر هام في مجال السياحة في بلد ما وعامل جذب لأعداد هائلة من الزائرين المحليين والدوليين غير أن التراث مورد غير متجدد يحمل جيلنا الحاضر مسؤولية الحفاظ عليه واستخدامه بشكل مستدام.
وتعتبر إدارة مواقع التراث الثقافي أداة فعالة في تطورٍ مستمرّ تستخدم لتوجيه حماية المواقع الطبيعية والثقافية وصونها وإدارتها كما يقول المؤرخ الدكتور محمود السيد نائب مدير المخابر وقارىء النقوش الكتابية القديمة في المديرية العامة للآثار والمتاحف.
فالمواقع التي تتمتع بخطط إدارية مدروسة للتراث هي فقط القادرة على مراقبة التغيرات، أكانت إيجابية أم سلبية وعلى النجاح في المحافظة على معاييره لذلك نهدف من إدارة مواقع التراث الثقافي بشكل منهجي علمي منظم إلى الوصول إلى استخدام تكامل الأوجه السياحية لضمان الصون المستدام للتراث الثقافي وتقديم فرص للتنمية الاقتصادية والاجتماعية على المستوى المحلي لأن زيادة القيمة الرمزية والاقتصادية التي يبديها الناس لموقعٍ أو حرفةٍ ثقافية ما يمثل أفضل الطرق لكسب دعمهم في جهود المحافظة عليها.
ويضيف السيد من هنا تتجسد أهمية الإشراك الفعال لأصحاب العلاقة المحليين في اتخاذ القرارات وعمليات التخطيط وتحسين الفوائد الاقتصادية للموقع واحترام القيم والمعاني التي تربطها مجموعات محلية متنوعة بالموقع.
إذ تهدف خطة إدارة مواقع التراث المتكاملة إلى الجمع وتحقيق التوازن بين الحماية والمحافظة والصيانة وإعادة التأهيل والترميم والعرض والترويج والاستخدام بما فيه في السياحة والدمج في الاقتصاد المحلي والممارسات التجارية ويجب مراعاة أيضا الأبعاد المتعددة التراثية التي ترتبط بالموقع أو الحرفة نفسها مادية وغير مادية وإدارة السياحة الملائمة وعلاقة الموقع بالاقتصاد والمجتمعات المحيطة به والظروف الثقافية والاجتماعية والاقتصادية المحسنة في المجتمعات و احترام قيم تنوع الهويات الثقافية.
ويوضح المؤرخ السيد أن خطة إدارة مواقع التراث المتكاملة هي عملية مشاركة مستمرة تحتاج إلى المتابعة والتحديث بشكلٍ منتظم إذ ان ثمة مقاربات مختلفة لخطة إدارة التراث المتكاملة التي يمكن اعتمادها وأقلمتها مع احتياجات محددة وسياقات محلية بالتركيز على مشاركة المجتمع كعامل أساسي في نجاح صياغتها وتنفيذها إذ يجب إعداد دراسة علمية منهجية تركز على الآثار الإيجابية والسلبية للسياحة الثقافية على النصب والمواقع التاريخية وتطرح أهمية دمج الموجودات الثقافية في التخطيط الاجتماعي والثقافي والأسس المرتكز عليها في عملية الدمج مع احترام خصوصية التراث الثقافي في الوقت نفسه وأهم هذه الأسس تحليل شامل تاريخي وعلمي للمكان و توثيق دقيق للحالة الراهنة والالتزام بالحد الأدنى من التدخل في النسيج الأثري والفني والتاريخي للموقع والحفاظ على الأصالة وإبراز كل مراحل التطور التي مر بها تطور الموقع عبر العصور التاريخية المختلفة.
ويرى السيد أنه يمكن للتراث أن يكون مصدر قوة لتوليد الإيرادات والنمو الاقتصاديّ على المستويين المحلي والقومي وخاصة من خلال السياحة والنشاطات الأخرى المرتبطة بها ويجب استخدام إيرادات السياحة لغايات المحافظة على التراث و تعزيز الوعي بشأن القيمة التراثية للموقع والحاجة إلى استخدامه بشكل مستدامٍ والمحافظة عليه ويجب التمييز بين ثلاثة أنواع من القيم الاقتصادية الاولى قيمة الاستخدام المباشر كالسياحة والايجار وإعادة الاستخدام والهدم و الإزالة والثانية قيمة الاستخدام غير المباشر أو قيمة عدم الاستخدام “الوراثة والمناظر الجمالية والقيمة التذكارية والثالثة قيمة الخيار أي أن يترك موقع لملاكه المستقبليين من دون استخدامه اذ تهدف إدارة مواقع التراث إلى إيجاد تراثٍ يحظى بحماية وعرضٍ جيد يعود بإيرادات غير مباشرة إضافية للسكان المحليين والاقتصاد الذي يحيط به.
فيزيد الموقع التراثي الذي يتمتع بسمعة جيدة شهرة وبالتالي يرفع من قيمة السوق للإنتاج المحليّ الذي يستفيد من سمعة الموقع الحسنة.
وخلص السيد إلى أن الأهداف الرئيسية من إدارة مواقع التراث الثقافي بشكل متكامل علمي منهجي تتمثل في الحفاظ على علاقة توازن بين شمولية التراث و هوية التراث وقيمته الثقافية للسكان المحليين و قيم الزوار وتوقعاتهم والتنمية الاقتصادية المستدامة وفوائدها للأطراف المعنية كلها اذ يجب أن تعتمد خطط إدارة مواقع التراث الثقافي على استخدام الأدوات التكنولوجية الحديثة والنظر في الموقع وعلاقته بالأرض التي هو فيها كوسيلة لتعزيز الموارد وتوفير حماية أفضل ويجب أيضا تطوير فهم شامل للعناصر كلها التي تؤثر في الموقع أو الحرفة التراثية وإشراك المعنيين كلهم والمتابعة والتحديث بشكل منتظم ومعرفة و توثيق علمي حول الموقع والصيانة والمحافظة والاستخدام السياحي الأمثل غير المدمر ومراعاة الأنظمة والقوانين والاطار المؤسسي والبنية التحتية والتنمية المدنية.
ويوضح السيد أن قلعة الحصن أنموذج لمثل هذه المواقع الأثرية حيث تصنف القلعة المدرجة على لائحة التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو والتي يجري العمل على تأهيلها عمرانيا وسياحيا كأحد أهم الأوابد الأثرية في سورية و العالم بهدف زيادة عدد الزوار وتطوير البنية التحتية والنشاطات التجارية داخل الموقع وخارجه من خلال إعداد نظرة شاملة وفهم لتراث قلعة الحصن يؤدي إلى تنظيم زيارات سياحية منظمة مستدامة تؤدي إلى زيادة مدة بقاء الزوار في الموقع وحماية الموقع من التمدن المتسارع وتحقيق توافق وانسجام بين مصالح المعنيين من مؤسسات وجهات حكومية وسكان محليين بما يحقق الفائدة و التنمية للموقع ويعزز إجراءات حمايته وصيانته ومنع التعدي عليه و على محيطه وإشراك السكان المحليين في حماية الموقع و إدارته واستخدامه والتخطيط والتنمية الاقتصادية.
عماد الدغلي