شكّل التقدم التكنولوجي والحضاري الذي شهدته السنوات الأخيرة من القرن الماضي فرصة حقيقية لإحداث نقلة نوعية في حياة البشر على الصعد الثقافية والسياسية والاقتصادية والإنسانية، وأعطى نسخة جديدة لمظلومي العالم للتطلع إلى تحسين نوعية حياتهم، لكن الإدارات الأمريكية المتعاقبة حولت تلك الفرص إلى نكبات حقيقية لأنها أرادت فرض هيمنتها المطلقة على مقدرات البشرية، وأعادت الدول الفقيرة إلى التبعية المطلقة، فيما لم تتورع عن الاحتلال العسكري المباشر لبعض الدول، وبطرائق أشد سوءاً من طرائق الاستعمار القديم الذي اشتهرت به فرنسا وبريطانيا والبرتغال، وتحت لافتة نشر الديمقراطية ومكافحة الإرهاب عملت الإدارات الأمريكية المتعاقبة وبمساندة «إسرائيل» ودول الاستعمار القديم على دعم الإرهاب وتمويله وتوظيفه، وتركزت جهودها على إنهاء الدول الوطنية بغية تفتيتها إلى دويلات متصارعة تنفذ سياسة الشركات متعددة الجنسية والتي من خلالها يتسنى لأمريكا ـ التي تعتبر الأعلى في الناتج القومي «رغم أنها الأكثر مديونية»-فرض هيمنتها السياسية والاقصادية والعسكرية.
وكان الأخطر على هذا الصعيد بعد الاحتلال المباشر لأفغانستان في أعقاب أحداث الحادي عشر من أيلول، وكذلك احتلال العراق في عام 2003، الأخطر كان ما أطلقوا عليه «الربيع العربي» الذي جلب لدول المنطقة المزيد من الفقر والقهر والقتل، ومنح للإرهاب «القاعدي» التكفيري الوهابي مناخاً مثالياً ليتورم ويمارس كل شذوذه الأخلاقي وعلى مساحات واسعة في البلدان والقارات، بينما تم تسويق ذلك الخراب والتفخيخ والتفجير وقطع الرؤوس على أنه «ثورات» شعبية لتوسيع هوامش الحرية التي لم تعمل الإدارات الأميركية إلاعلى تضييقها وخاصة خارج حدودها، واتخذت من أبشع الأنظمة كبتاً للحريات والأكثر تخلفاً والأكثر دعماً للإرهاب حلفاء استراتيجيين، ومن هؤلاء ممالك ومشيخات النفط التي لا تزال أنظمتها أكثر تخلفاً من أنظمة العبودية التي انقرضت منذ عقود.
الفقر والقهر وقتل الأبرياء وتنامي الإرهاب كل ذلك يتم تحت الرعاية الأمريكية ومساندة «إسرائيل» ودول الاستعمار القديم ودول العفن النفطي التي بددت ثروات العرب على الملذات الشخصية وفي تمويل القتلة.
لقد بات العالم أمام خيار لا مفر منه إما الموت من الفقر والإرهاب والتشرد أو مواجهة الإجرام العسكري والسياسي والاقتصادي الذي تمارسه أمريكا، وأعتقد أن الخيار الثاني هو الأكثر ترجيحاً لأن الشعوب لا يمكن أن تسكت على سياسات أمريكا التي باتت تدفع العالم باتجاه الهاوية.
بقلم: محي الدين المحمد