دمشق-سانا
جدلية الهوية الثقافية تعد إحدى الاشكاليات المعاصرة في كل مجتمع والحديث عنها في سورية ليس بجديد فمنذ خمسينيات القرن الماضي تناولها نقاد ومفكرون ومثقفون لتحديد معالمها ودلالاتها ومعاييرها.
وفي يومنا هذا يتمثل الأشكال القائم بتساؤلات حول عوامل هويتنا الثقافية ودور تراثنا ومكوناته في إعطائها سماتها العامة ومدى قبولنا للثقافة العالمية واندماجنا فيها.. هذه الأسئلة حاولت مجموعة من الفنانين التشكيليين الإجابة عنها لتحديد معالم الهوية السورية بالفن التشكيلي السوري الموغل في القدم منذ آلاف السنين.
الفنان التشكيلي أكثم عبد الحميد وجد أن أهم شروط تكوين الهوية الإبداعية للفنون هي البيئة والجغرافيا الموحدة للمكان إضافة للتراث الثقافي للمجتمع عبر مسيرة العلاقات الإنسانية والجمالية والأخلاقية والسياسية والاجتماعية والثقافية تحت عنوان واحد وهو الهوية الشخصية للشعوب والتي تخزن في ذاكرتنا الصيرورة الثقافية الزمانية والمكانية.
ووفقا له فإن المنطقة العربية كتب عليها عدم الاستقرار السياسي والثقافي والاجتماعي نتيجة ما تعرضت له من غزوات واحتلالات ما دفع بهويتها الثقافية للتأرجح وعدم الوضوح واثر بدوره على الصورة الحقيقية للهوية السورية الشاملة والتي بدورها تماهت مع الأفكار السياسية والأيديولوجيات السائدة في المنطقة فأثرت على طابعها العام.
الفنان أدوارد شهدا تطرق إلى ظاهرة تكريس شعارات عامة على حساب تكريس الهوية الثقافية السورية مبينا أن سورية ونظرا لموقعها الجغرافي تعد ممرا تاريخيا لكل الحضارات ما جعل هويتها متنوعة عكس الحضارة الفرعونية المصرية مشيرا في الوقت نفسه إلى الفن التدمري الذي لا يزال مستمرا وحيا في المجتمع السوري إلى الآن.
شهدا صاحب التجربة العميقة في فن الأيقونة ودمجها بالمنمنمات الإسلامية اعتبر أن الهوية في الفن التشكيلي ذات طابع فردي وتتضمن تجارب فنانين تعكس أسلوب عمل ونمطا تشكيليا ينتمي إلى مرحلة إنتاجها أما تجارب الشباب اليوم فهي برأيه متأثرة بانفتاحهم وتفاعلهم مع أدوات العصر ومع الموضوعات العالمية ما يعطيهم تجربة مختلفة عن الرواد والمخضرمين ويكسب المشهد التشكيلي السوري المزيد من التنوع.
الفنان التشكيلي الدكتور سائد سلوم يقدم وجهة نظر مختلفة فهو يفند مصطلح الهوية لأنه يجده لا يتناسب مع الخوض في بحث علمي أكاديمي مبينا أنه لم يجد تعريفا واضحا في قواميس اللغة لهذا المصطلح بل وجد في الموسوعة العربية في باب المنطق شيئا اسمه قانون الهوية ويعني أن لكل أمر ذاتية خاصة يحتفظ بها رغم ما يطرأ عليه من تغيرات.
علاقة الفن التشكيلي السوري بالتيارات الفنية العالمية وتأثيرها على هويته الخاصة تطرق لها الفنان التشكيلي عبد الهادي الشماع فدعا إلى النظر في الزمن الذي نفذ ضمنه العمل الفني ودوافع الفنان لتنفيذه وعلاقته بالظروف السائدة والتيارات الفكرية المتداولة وتماسها مع الحداثة بتشعباتها وخاصة الليبرالية التي يسعى الغرب لتسويقها عبر منابر عدة ومنها الفن.
الفنان التشكيلي والناقد أكسم طلاع أعرب عن اعتقاده بأن الهوية الفنية موجودة وهي عريقة تمتد لآلاف السنين ومن دلائلها ما تركه لنا الآباء من روائع الفن لكنه في الوقت نفسه أشار إلى أننا بحاجة لعملية توليد مقومات هذه الهوية بما يتناسب والزمن الحالي.
ولكن هنالك آراء تجد أن اقتراب الأعمال الفنية من تحقيق شرط الهوية يبدأ من تحقيقها للسوية المطلوبة ووصولها للناس وإحساسهم أنها تعبر عنهم ودفع القادرين منهم على اقتنائها وبالتالي المساعدة في تطوير الفن وهو ما عبر عنه مديرو عدد من الصالات الفنية في مدينة دمشق.
مدير صالة عشتار الفنان التشكيلي عصام درويش وجد أن هناك عناصر تتحكم بمسألة سوية العمل الفني منها الترويج والإقبال والتأثير بالمتلقي مشيرا إلى أن الصالات لدينا لا تعتمد على المعارض لأنها خاسرة ماديا بل إن اقتناء الأعمال وبيعها يشكل أساس استمرار عملها داعيا الفنانين إلى الابتعاد في مراسمهم عن سلطة المقتني سواء كان جهة أو فردا لينتجوا فنا جديدا يكتسب صفة الإبداع.
مديرة صالة زوايا رولا سليمان رأت أن أهم صفة يجب أن تكون موجودة في العمل الفني ليكون مطلوبا أن يحمل الجديد مؤكدة ضرورة الاستثمار في الثقافة وتحويلها إلى صناعة لأنها رابحة ما يساعد القائمين عليها على الاستمرار وأهمية دعم التجارب الشابة.
وللشباب دور محوري في تعزيز الهوية السورية التشكيلية لكن ذلك يتطلب منهم وفقا لمدير غاليري قزح الفنان التشكيلي سامر قزح أن يصنعوا لأنفسهم مكانة في الساحة حتى تقتنى أعمالهم ويؤثروا بمحيطهم وعليهم التأني ودراسة خطواتهم وعدم الاستعجال مشيرا في الوقت نفسه إلى ضرورة أن يمتلك أصحاب الصالات الفنية الخاصة شغفا فنيا وألا ينظروا للإبداع الفني من جانب الربح فقط.
هوية الفن التشكيلي السوري بحسب اجماع الفنانين التشكيليين هي مشروع وطني يتطلب نجاحه تضافر جهود المؤسسات العامة والخاصة والجمعيات الثقافية لوضع المعايير والأسس العلمية الكفيلة للنهوض بهذا المشروع والاستثمار فيه ما يحقق التنمية الثقافية المستدامة في المجتمع.
رشا محفوض