دمشق-سانا
من الاحتلال المباشر للدول واستعمارها عبر التاريخ بهدف سرقة مقدرات شعوبها إلى الاستثمار بالإرهاب كبديل عن العدوان المباشر نهج سارت وتسير عليه الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تترك أي حدث سواء على أراضيها أو على اراضي الدول الأخرى الا واستغلته خدمة لسياساتها الخاصة سواء بالتدخل المباشر أو عبر وكلاء لها والإرهاب ليس حالة منعزلة بل كان أحد أبرز العوامل التي استغلتها واشنطن لضرب خصومها في العالم وتحقيق أاجنداتها السياسية في العالم.
فهجمات الحادي عشر من أيلول عام 2001 التي ضربت الولايات المتحدة الأمريكية كانت فرصة أمريكية استغلتها الإدارة الأمريكية لتحقيق مصالحها الخاصة على حساب الشعوب اذ سارعت واشنطن في عهد إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن آنذاك إلى استثمار تلك الهجمات وعملت على تجييش دول العالم للعدوان على أفغانستان بزعم مكافحة تنظيم القاعدة الإرهابي بعد أن روجت إعلامياً وسياسياً بأنه المسؤول عن تلك الهجمات.
وفي السابع من تشرين الأول عام 2001 بدأت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي “الناتو” إضافة إلى الدول التي انضوت في هذا التحالف الدولي بالعدوان العسكري المباشر على أفغانستان حيث نشر هذا التحالف في سياق عدوانه عشرات آلاف الجنود وبنى القواعد العسكرية لاحتلال هذا البلد والسيطرة عليه فيما أدت تلك الحرب وفق تقارير إخبارية إلى مقتل وتشريد مئات آلاف المدنيين الأفغان وتدمير جزء كبير من البنى التحتية للبلاد.
وثائق سرية مسربة نشرتها صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية عام 2019 كشفت زيف المبررات والأكاذيب التي قدمتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة للأمريكيين أنفسهم بهدف مواصلة التدخل في أفغانستان مبينة أن كبار المسؤولين الأمريكيين منذ عهد بوش الابن كذبوا مرارا وتكرارا على الأمريكيين حول جدوى التدخل العسكري الأمريكي في أفغانستان وحاولوا دائما تضليل الرأي العام في الولايات المتحدة عبر رسم صورة مزيفة عن تقدم أو إنجازات حققتها القوات العسكرية الأمريكية في هذا البلد في محاولة لإخفاء الأدلة التي تثبت غرق الجيش الأمريكي في مستنقع عميق على مدى عقدين تقريبا من الزمن.
مجلة “فوربس الأمريكية” قالت في سياق الحديث عن تكلفة الحرب على أفغانستان.. إن تلك الحرب كلفت الولايات المتحدة نحو تريليون و70 مليار دولار إضافة إلى مقتل أكثر من 2400 جندي أمريكي وإصابة عشرات الآلاف بجروح وتشوهات وإعاقات دائمة وهو ما دفع واشنطن إلى الاضطرار لبدء سحب جنودها من أفغانستان بينما أكدت تقارير إخبارية أن تلك الحرب أرهقت كاهل الأمريكيين بالضرائب التي فرضت عليهم لتغطية نفقاتها الباهظة.
وبعد سنوات من تلك الحرب اعترفت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون بأن بلادها هي من أسس تنظيم القاعدة الإرهابي في أفغانستان وقالت في مقابلة عام 2014 “إن القاعدة على الأقل في مرحلة التأسيس كانت جزءاً من تصور أمريكي هدفه الانفراد بقيادة العالم وتأكيد نهاية التاريخ” كما أقرت لاحقاً في كتاب لها بأن تنظيم “داعش” الإرهابي صناعة أمريكية.
وبعد أقل من عامين على التدخل العسكري الأمريكي الأطلسي في أفغانستان شكلت واشنطن تحالفا آخر للعدوان على العراق والذي بدأ في العشرين من آذار عام 2003 بعد أن روجت واشنطن على مدى سنوات لمزاعم حول وجود اسلحة دمار شامل تبين لاحقا عدم وجودها على الاطلاق في العراق وهو ما أكدته تقارير فرق التفتيش الدولية التابعة للأمم المتحدة التي كانت تزور البلاد.
كما أن صورة وزير الخارجية الأمريكي آنذاك كولن باول وهو يمسك بيده أنبوبة يزعم من خلالها امتلاك العراق سلاحا كيميائيا ما زالت تذكرها الأجيال التي عاشت تلك الفترة وقد انكشف التضليل والتزييف الأمريكي حول هذه القضية لاحقاً عندما اعترف باول نفسه بأن دفاعه عن تقرير بلاده حول أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة أمام الأمم المتحدة هو “وصمة عار في مسيرته السياسية” قائلاً.. إان الأمر كان مؤلما بالنسبة له فيما اقر حليف بوش رئيس الوزراء البريطاني الأسبق طوني بلير عام 2016 بأن مشاركة بلاده في حرب العراق كانت خطأ وقال.. “كان ذلك القرار الذي اتخذته هو الأكثر صعوبة”.
دراسة صدرت عن مبادرة “تكلفة الحرب” وهي مشروع بحثي مشترك بين جامعتي براون وبوسطن الأمريكيتين كشفت عن وصول تكلفة الحروب الأمريكية منذ هجمات 11 أيلول 2001 إلى 6.4 تريليونات دولار ويشمل ذلك المبلغ حربي العراق وأفغانستان إضافة إلى الاعمال العسكرية في باكستان واليمن وليبيا وسورية ودول أفريقية فيما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية عام 2018 أن الحروب في الشرق الأوسط وآسيا كلفت خزينة واشنطن 5ر1 تريليون دولار منذ عام 2001.
مراقبون يرون أن الحروب الامريكية التي تزعم الإدارات الأمريكية أنها موجهة ضد الإرهاب ما هي إلا وسيلة تتخذها واشنطن ذريعة للاعتداء على الدول ذات السيادة ونهب خيراتها ومقدراتها من الناحية الاقتصادية وفرض الوجود الأمريكي فيها لأهداف جيوسياسية متعددة بينما تؤكد الوقائع والتقارير أن واشنطن تدعم الإرهاب وأن التدخلات الأمريكية أدت إلى تنامي ظاهرة الإرهاب في العديد من المناطق حول العالم وتوسع رقعته وعززت ظهور تنظيمات إرهابية جديدة كما حصل في أفغانستان والعراق وليبيا وغيرها.
ولعل الاحتلال الأمريكي في سورية ودعم واشنطن للإرهاب فيها يأتي في إطار تلك الحروب الأمريكية الزائفة التي تدعي محاربة الإرهاب وهو ما أقر به جيمس جيفري المستقيل من منصبه مبعوثا للإدارة الأمريكية إلى سورية والذي قال في مقابلة صحفية مؤخراً.. “إن هدف الاحتلال الأمريكي للأراضي السورية منع الدولة السورية من بسط سيطرتها على كامل أراضيها”.
ويضاف ذلك إلى اقرار رئيس إدارته دونالد ترامب الذي أعلن في أكثر من تصريح صحفي أن قواته المحتلة موجودة في سورية للسيطرة على آبار النفط ما يعني حرمان الشعب السوري منها وسرقتها.
محمد جاسم