دمشق-سانا
شاشة صغيرة بين أيدي أطفالنا تأسرهم لساعات طويلة يغوصون في عوالم افتراضية تفصلهم عن واقعهم وتغزو عقولهم وتؤثر في تفكيرهم وسلوكهم وتهدد بمخاطر لا يمكن التنبؤ بها الأمر الذي يستوجب انتباه وحذر الأهل والتربويين معاً لإيجاد البدائل الهادفة لبناء شخصية الطفل بعيداً عن المؤثرات الخارجية الضارة.
بات مشهد طفل يلهو بأحد الهواتف الذكية أمراً اعتياديا حتى أن بعض الأهل يلجؤون إليه لإلهاء أطفالهم غير مدركين تداعياته على أبنائهم المنعكسة على سلوكهم وطريقة تفكيرهم ونفسيتهم وخاصة أن الكثير مما يقدم عبر هذه الشاشات وعلى منصاتها قد لا يلائم عمر وإدراك الطفل وربما لا يتناسب مع البيئة والمجتمع السوري وكذلك الأمر بالنسبة للمراهقين الذين بات الهاتف الذكي من أولويات مقتنياتهم.
أسماء عمران طفلة بعمر 8 سنوات تدير حسابا خاصا بها على “الفيس بوك” باسم ومعلومات مستعارة عبر هاتفها الخاص تقول إنها منصة للتعرف على الناس من بلدان مختلفة واشراكهم بيومياتها وأفكارها فيما لا ترى والدتها مشكلة في ذلك وتقول إن العصر وتغيراته فرضت مفاهيم جديدة على التربية أحدها استخدام الانترنت الذي فرض نفسه على تفاصيل الحياة.
ويعاني مازن عطية مع ابنه ذي 12 عاما الذي تعود قضاء ساعات طويلة على ألعاب تشغل عبر الانترنت تعتمد على العنف والقتل والسرقة وتستحوذ تركيزه واهتمامه ومزاجيته وتواصله مع الآخرين حتى إنها أثرت على تحصيله الدراسي وأصبحت حالة تشبه الإدمان وفق وصفه وتحتاج لعلاج ومتابعة لما يعانيه من اضطرابات في النوم وأعراض اكتئابية.
وائل العبد الله والد لأربعة أطفال يقول: أحاول منع أطفالي من استخدام اجهزة الموبايل والتصفح عبر الانترنت أو الدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي واسمح لهم فقط ببعض البرامج التعليمية على جهاز الكمبيوتر وذلك لأحدد نطاق الاستفادة ولكي لا أجعلهم عرضة لاحتمالات الانترنت التي تكون بالغالب غير مناسبة عمريا ومجتمعيا.
في حين تتحدث رنا الجباعي مدرسة وأم لطفلين أعمارهما تحت الخمس سنوات أنها ترفض إعطاء أبنائها جهاز الموبايل وتستبدله بجهاز اللابتوب لعرض بعض القصص التعليمية والتي حفظ عنها ابنها الاعداد والمفردات والأغاني وذلك باعتبار التكنولوجيا باتت وسيلة ضرورية في التعليم الحديث وفق رأيها مؤكدة أن وسائل التواصل الاجتماعي واستخدام الأطفال للهواتف الذكية بشكل مفرط يؤثر على مهارات الأطفال وتفاعلهم مع محيطهم ويجب استخدامها بطريقة هادفة وتحت مراقبة الأهل.
غادة الشيخ مدرسة وام لطفلة بعمر العشر سنوات تقول: أحاول أن احدد استخدام طفلتي للموبايل في مجال البحث عن معلومة محددة أو قراءة معلومات مفيدة حيث إن المحتوى الرقمي المنشور على الانترنت بالإنجليزية غني وتوفره الهواتف الذكية بسرعة وسهولة وفي أي مكان ما يجعل الأطفال تحت طبقة مركزة وواسعة من المعلومات والمعرفة عوضا عن ألعاب الأطفال التي تثير الاضطراب معتبرة أن هناك علاقة طردية بين استخدام الأطفال الهواتف الذكية وقلق أولياء أمورهم إما لجهة الإفراط بالاستخدام أو بسبب المحتوى أو الكلف المترتبة على هذا الاستخدام.
ويجمع الخبراء النفسيون والاجتماعيون على الاثار السلبية الناتجة عن استخدام الأطفال والمراهقين المفرط للهواتف الذكية وانعكاسه على بنية الطفل النفسية والاجتماعية والصحية وضرورة تعزيز مراقبة الأهل.
الاختصاصية النفسية سناء منشأ أوضحت أن استخدام التقنيات والتكنولوجيا بات أمرا واقعا نتعامل معه من خلال عالم افتراضي غامض ومجهول ولا يستطيع أي طفل تحمل صورة بصرية مباشرة قد تدخله بحالة من الشرود والخروج عن الواقع مبينة أن استخدام الأطفال المفرط للهواتف الذكية قبل عمر الست سنوات يؤثر على الجهاز العصبي والتركيز كما يؤثر على تكوين الشخصية بحيث يصبح الطفل أقرب إلى الانطوائية والعزلة.
وفي عمر الثلاث سنوات تقول الاختصاصية إن له اثرا مباشرا على تأخر النطق إضافة إلى المخاطر الناتجة عن التعرض لمواقع وصفحات لا تراعي الشريحة العمرية للأطفال وتعرضهم لمعلومات خاطئة وأفكار دخيلة على مجتمعنا وبيئتنا.
وتنصح منشأ الأهل بمراقبة الطفل خلال استخدام الإنترنت عبر أجهزة الموبايل وعدم تركهم اوقاتا طويلة لما له من آثار سلبية على نمو الأبناء الجسدي والذهني والانفعالي “العاطفي” والاجتماعي محذرة من مخاطر إنشاء حساب خاص للأطفال على مواقع التواصل الاجتماعي ولا سيما تحت سن العاشرة الأمر الذي يعرضهم للابتزاز والخداع والوقوع في مشاكل اجتماعية ونفسية عديدة.
اختصاصية علم الاجتماع سهر كشيك أكدت أن وسائل التواصل الاجتماعي استخدمت منذ بداية ظهورها لعرض الصور وكتابة التعليقات وخاصة للأطفال لكنها تعتبر في هذا الوقت والمرحلة عدوا حقيقيا للطفولة لكونها تؤثر على كيفية التحدث والتعبير اللفظي معتبرة أن نتيجة عدم الاستخدام الصحيح لهذه الوسائل أدى إلى آثار سلبية كثيرة “كالتحرش النفسي وعمليات الابتزاز التي تؤدي الى قلق وتوتر الأطفال والتأثير النفسي والمجتمعي”.
وأوضحت كشيك أن تأثير الهواتف الذكية واستخدام الانترنت على الأطفال اجتماعيا يختلف من الناحية الإيجابية والسلبية حسب الشريحة العمرية فالطفل الذي يبلغ من العمر أقل من 5 سنوات يكون قابلا لالتقاط أي معلومة نريد أن يستوعبها ويتعلمها واقناعه بتعاليم الحياة بعيدا عن عالم التكنولوجيا والتقنية وذلك من خلال تحفيزه على أن يكون فردا فاعلا قادرا على تكوين شخصيته.
وفيما يخص فئة المراهقة لفتت كشيك إلى أنها من الفئات الصعبة جدا في التعامل معها وكانت لها الحصة الأكبر من الآثار السلبية حيث تلجأ هذه الفئة إلى الاستفسارات الكثيرة في حياتها وتقوم باستخدام الانترنت لترضي دوافعها بغض النظر عن الصح أو الخطأ وفي هذه المرحلة يؤدي استخدام الهواتف ووسائل التواصل إلى بطء التطور العاطفي والاجتماعي وتراجع اكتساب المهارات الاجتماعية للمراهق والذي يؤدي إلى إعاقة فترات حياته القادمة داعية إلى الحرص من قبل الأهل على تلبية كافة احتياجات الأطفال وخصوصا في هذه المرحلة.
وبينت كشيك أن دور الأهل لتدارك أخطار تعرض الأطفال للهواتف الذكية ووسائل التواصل أصبح محدودا في الوقت الراهن وذلك يعود إلى ظروف اقتصادية واجتماعية حيث فرضت الظروف الاقتصادية على الأهل العمل لساعات طويلة لتلبية مستلزمات الحياة الأساسية والغياب لفترات طويلة عن الطفل واحتياجاته النفسية منوهة بدور المؤسسات التعليمية في هذا الصدد حيث تبذل الجهد لتقويم الأطفال من الناحية الأخلاقية والسلوكية إلى جانب التعليم عبر تفعيل دور المرشد النفسي والاجتماعي في المدارس.
وختمت اختصاصية علم الاجتماع بأنه لا يمكن الحصول على اثر محقق وملموس إلا بالعودة إلى الأسباب الرئيسة والتأكيد على المنظومة الأخلاقية في المجتمع بشكل عام التي تعزز دور الرقابة الفعالة والتوجيه من قبل الأهل ومن قبل المدرسة أيضاً.
مها الأطرش