حمص-سانا
استعاد عدد من الفنانين الشباب ذاكرة مدينة حمص الثقافية و ارثها الانساني و الجمالي العريق عبر مشهد تشكيلي ثري صاغه معرض التصوير الضوئي الذي انطلق ضمن فعاليات مهرجان خوابي الأول في حمص و اختتم أنشطته مؤخرا وتكمن جمالية المعرض في مجموع الصور الضوئية التي ضمها في ردهاته و احتفت في موضوعاتها بحياة الناس و علاقاتهم الاخوية بالاضافة الى معاناتهم العميقة جراء أعمال التنظيمات الإرهابية المسلحة وهو ما وثقته وجوه حمصية عديدة نقلتها صور الشباب الهاوي.
كذلك عبر الشباب المشارك عن أهمية الحدث الثقافي الذي اقيم في كلية الهندسة المدنية في جامعة البعث و ما شكله من همزة وصل بين جيلين فنيين بالاضافة الى ما وفره من فرصة للتواصل مع جمهور واسع شكل اقباله على ردهات المعرض دهشة للوسط الثقافي و الاجتماعي و بشرى خير و تفاؤل بعودة الحياة الثقافية الى مسارها الطبيعي ضمن حدود مقبولة.
عمر داغستاني مصور ضوئي شاب ينقل في صوره كما يقول كل مواطن الجمال في حمص بدءا من وجوه ناسها و أهلها في الشوارع و البيوت والازقة القديمة مرورا بصور الاحياء نفسها فأكثر ما يستهويه حسب تعبيره هو الحياة اليومية للانسان العادي وما تحمله الوجوه من آمال و أمنيات رغم الازمة الراهنة و لهذا فقد تصدرت صورة لطيارة ورقيه يلعب بها الاطفال بين المباني المهدمة بفعل الارهاب احد جدران المعرض في اشارة الى بوارق الأمل التي تعتمل في النفوس.
وقال أسعى لتطوير هوايتي في التصوير الفوتوغرافي من خلال الانترنت و عبر الاطلاع على تجارب المصورين المهمين حول العالم و حضور المعارض المحلية بصورة مستمرة منذ العام 2000 حيث استفيد من كل ما تقع عليه عيناي فأتفحصه مليا لأدرك ما هو جديد و مختلف في النتاج الابداعي من حولي و هذا ما فعلته في المعرض الحالي و الذي اعتبره فرصة لنا كفنانين مبتدئين في هذا الحقل الفني.
أما مشروعه الجديد فيركز حسب داغستاني على رصد اثار الدمار الذي اصاب الاحياء القديمة و الامنة في حمص جراء الجرائم الارهابية التي افتعلتها العصابات التكفيرية فهو مشروع توثيقي بالدرجة الاولى يهدف الى تذكير العالم أجمع بالافعال الاجرامية للقوى المعادية لسورية و معها المعاناة العميقة لاهلها المسالمين و هو ما يضمن ان تظل هذه الوقائع حية في ذاكرة الاجيال القادمة.
اما الفنان الشاب رامي المنصور و هو من مواليد العام 1990 فقد عبر عن سعادته بهذه المشاركة كونها الاولى له موضحا ان كل صورة من صوره تنقل للمتلقي حكاية ما من صميم الحياة في حمص الازمة الحالية مع كثير من الدلالات والايحاءات التي حاول الاشتغال عليها في هذه الصور عبر لقطات تجريدية سعى الى تضمينها جرعة من الأحاسيس و المعاني العميقة.
أما صوره التي عرضت مشاهد تهجير الناس عن بيوتهم و حاراتهم كمظهر من مظاهر الحرب القاسية فتقابلها قريبا جدا كما أكد المنصور صور مماثلة ترصد عودة الاهالي الى منازلهم حاملين امتعتهم و امنياتهم الجميلة بمستقبل آمن و هذا في اطار مشروع قادم يؤكد عبره على قدرة السوريين و روحهم الوثابة للنهوض مجددا و مواصلة الحياة و إعادة اعمار كل ما تهدم.
وكان الفنان الشاب قد حصد مجموعة من الخبرات الفنية في هذا المجال بعد عمله مع بعض الوسائل الاعلامية خلال الازمة لتفنيد مزاعم الاعلام المضلل لكن هذه الخبرات وحدها لا تكفي برأيه إذ لا بد من مدارس لتعليم التصوير باعتباره افقا فنيا جديدا و مهما مشيرا الى ان غالبية المصورين لا سيما الشباب منهم تعلموا تقنياتهم بجهود شخصية انما تنقصهم الدراسة الاكاديمية لاكتساب مزيد من المعارف و المهارات.
وتدرس الشابة ليلى الجاعور في كلية التربية في جامعة البعث لكن شغفها بالتصوير الضوئي حولها الى فنانة هاوية كما اوضحت حتى باتت تنظر الى الحياة من حولها من خلال العدسة فترى فيها ما لا يراه الاخرون و رغم انها ترصد بكاميرتها طوال الوقت وجوه الناس المتعبة و ما يرتسم عليها من خيبات و مخاوف الا انها تهرب بين الحين و الاخر الى الطبيعة التي تستهويها بقدر اكبر فتنقل تبدلاتها و أحوالها بين فصل و اخر و هي لا تخشى ان تصور وردة ذابلة لأنها تدرك انها ستزهر بعد حين مرة اخرى اما الدكتور رضوان علي ديب فهو مصور هاو يرى في التصوير الضوئي شكلا من اشكال التأريخ انما بالصور هذه المرة لا بالكلمات و الاحرف فلكل صورة زمان و مكان و أحداث و مشاعر ترتبط بها و هو ما يبدو في صوره التي غالبا ما استدعى فيها صور الانسان الحمصي الطيب كما وصفه خاصة و هو يعاني تبعات الازمة الراهنة فكان الالم والتأثر واضحا على محياه في جميع الصور كما هو في الحياة.
وليست التكنولوجيا بتلك السلبية التي يدعيها البعض كما لفت علي ديب اذ ان ايجابياتها تمنح المصور فرصة الاستفادة من التقنيات و البرامج المتطورة لتغيير هندسة الصورة الى مستوى جمالي افضل دون ان يتم ذلك على حساب الحقيقة و المصداقية و المضمون الذي تريد الصورة إيصاله, يذكر ان مشروع خوابي الثقافي هو مشروع تطوعي يعنى بجميع انواع الثقافة و الفنون و الادب و الفكر تأسس في الاول من كانون الثاني 2014 و أقام أولى مهرجاناته الثقافية بالتعاون مع اتحاد الطلبة بجامعة البعث نهاية الشهر الفائت حيث تضمن العديد من المعارض و الأمسيات الشعرية و الفنية و المسرحية.
تمام الحسن