كثيرة المؤشرات التي تدلل على انكفاء المشروع الأمريكي في المنطقة، وكثيرة أيضاً دلالات بحث بعض الدول، وخاصة تلك التي كان لها دور في تغذية وتأجيج الحرب الإرهابية ضد سورية، عن فتح قنوات وإعلان “حسن النوايا”مع سورية.
تبدّل لم يفرضه بالطبع الحرص على وقف سفك الدم السوري، ولا صحوة ضمير مفاجئة، وإنما فرضته “فوبيا داعش” وتفشي وباء الإرهاب، والذي بات يقض مضاجع الغرب والمستعربين من عودة “ثوار” الأمس، إرهابيي اليوم، لاستكمال مشروعهم التدميري الذي بدؤوه في سورية، وهنا لابد من الإشارة إلى أن المصيبة في دول الخليج مزدوجة، فمن جهة عودة أبنائهم من القتال في سورية يرعب الحكام، والفكر المنتشر في بلدانهم، والذي عملوا على تربيته وفرضه، لا يختلف عن فكر الدواعش، ما يعني توافر البيئة لهز العروش وبقر الكروش، التي أكلت قوت شعوب، وبددت ثروات طائلة على التآمر خدمة لأمريكا وإسرائيل.
وفي قراءة سريعة لتطورات الأحداث خلال الأيام القليلة الماضية، وخاصة مع كثرة الحديث عن استضافة موسكو للقاءات تشاورية تمهيدية بين الحكومة السورية والمعارضة لمناقشة فرص الحوار الشامل بين السوريين لإيجاد حل سياسي للأزمة، يمكن ملاحظة توقف البيانات اليومية للبيت الأبيض حول سورية، وصمت حكام الخليج، مقابل إعادة تظهير أعضاء ما يسمى الائتلاف، وكأنهم هم من يملكون ناصية الحل، ويوحون لمن يستمع لهم، أن باستطاعتهم توقيف الأعمال الإرهابية، وباتوا يجهزون أوراق عمل، كتبت بحبر أمريكي وأخرجت في اسطنبول وتل أبيب، لعرضها في اللقاءات. بعبارة أخرى يحاول الغرب إعادة تصوير المشهد في سورية على أنه صراع داخلي، وأن المطلوب التغيير داخل البلد، وليس مؤامرة كبرى هدفها الحقيقي قصم ظهر محور المقاومة، وتهديد الأمن القومي لروسيا والصين، واستمرار الهيمنة الأمريكية على القرار العالمي لعقود قادمة.
وعليه فإن الشعب السوري غير ممتن لمن طالب مراراً وتكراراً بالتدخل العسكري في بلدهم ليأتي لـ “الحوار” وهاجسه الوحيد كيف يمكنه الوصول إلى السلطة لتنفيذ ما يطلب منه مستقبلاً ممن صنعوه وأسكنوه في الفنادق ذات النجوم الخمس، فيما السوريون باتوا يفتقدون لأبسط متطلبات الحياة وصمدوا في سبيل المحافظة على وحدة بلدهم واستقلالية قرارها، وبالتالي هم وحدهم لهم الحق في تقرير مصيره، بعد القضاء على آفة الإرهاب، وبالتالي يخطئ من يعتقد أن سورية قيادة وشعباً وجيشاً ستوافق على “سلق” تفاهمات وفق ما يشتهي آل سعود وأردوغان وأسيادهم في البيت الأبيض.
موسكو ورغم حراكها الدبلوماسي النشط لعقد لقاءات تشاورية على أرضها تدرك جيداً أن الجانب المتآمر على سورية لم يبدل كثيراً من مواقفه، وسيرفع سقف مطالبه عن طريق أدواته في الائتلاف، ولهذا جاءت تصريحات المسؤولين الروس غير متفائلة كثيراً بالنتائج التي ستؤول إليها المشاورات، لكنها في الوقت ذاته تقدّم طوق نجاة لمن يريد حفظ ماء الوجه قبل أن يصل الإرهاب إلى عقر داره.
بالنتيجة فإن لقاءات موسكو ومبادرة دي ميستورا تضع الخطوط العريضة للحل، والمطلوب أولاً وقف دعم وتمويل الإرهاب بقرارات دولية ملزمة بالفعل، وليس بالقول، ورفع العقوبات الظالمة التي حاربت السوريين في لقمة عيشهم، أما مستقبل سورية الداخلي فيقرره السوريون، الذين تحملوا ما تعجز الجبال عن حمله، وهذا ما يجب أن يدركه الأعراب المتصهينون والأغراب المتآمرون.
بقلم: عماد سالم