حمص-سانا
حس إنساني عال و روح وطنية خالصة هما ما دفع عددا من الشباب الطموح للبحث عن سبل متجددة لإغاثة أشقائهم في الوطن ولاسيما المتضررين من أسر الشهداء والمهجرين فجاءت الفكرة عبر ورشة للخياطة وتصنيع الألبسة قامت مؤسسة الشهيد في حمص بتمويلها وتم توظيف عدد من ذوي الشهداء للعمل فيها لتتحول هذا الورشة إلى مجمع عمل دؤوب يؤمن دخلا لعشرات العائلات خاصة بعد أن اتسعت المنشأة و بدأت باستقطاب المزيد من الأيدي العاملة.
واقع العمل في ورشة الألبسة الجاهزة والذي بدا جليا خلال زيارة قامت بها نشرة سانا الشبابية إلى الموقع كان كافيا ليؤكد أهمية المشروع الذي وصفه شادي شحود أحد أفراد المبادرة الشبابية ومدير الورشة حاليا بأنه جاء ترجمة لعدد من الأفكار التي بحثها مع مجموعة من الشباب بهدف إيجاد سبيل لمساعدة أهالي الشهداء ممن قدموا للوطن أنفس التضحيات فكانت فكرة معمل صغير للألبسة هي الحل الأمثل حيث اضطلعت مؤسسة الشهيد بتمويل المشروع بعد دراسته واستجلاء جدواه الإنسانية والاقتصادية.
وأضاف شحود أن الورشة الواقعة في حي العباسية بحمص انطلقت في عملها قبل عام ب 15 ماكينة خياطة وتم فيها تشغيل 15 شخصا من أهالي الشهداء لكنها تطورت على نحو متسارع خلال أشهر لاسيما بعد البدء بالإنتاج الفعلي ليصل عدد الماكينات اليوم إلى 100 ماكينة الأمر الذي أتاح للكادر الإداري وجله من شباب المجموعة المبادرة بتوظيف المزيد من العاملين في المعمل الصغير الذي اصبح له استقلاله المالي وخطته الطموحة لتأمين المزيد من فرص العمل للشرائح المتضررة وتوفير احتياجاتها من الألبسة بأسعار الكلفة بالإضافة إلى خلق فرص تنافسية في السوق المحلية.. كما يقوم المعمل حسب شحود بتأهيل وتدريب الراغبين بتعلم الخياطة من ذوي الشهداء مجانا تمهيدا لتوظيفهم لاحقا حيث تم تنفيذ دورات تدريبية لأسر الشهداء في مجال الخياطة والتفصيل لإكسابهن المهارات المطلوبة و ذلك بالاستعانة ببعض الخبرات المحلية و من خلال التعاون مع فرع الاتحاد النسائي.
وحول نوعية الإنتاج لفت إلى أن المعمل يقوم بإنتاج الملابس النسائية و الرجالية وألبسة الأطفال كما تم البدء بإنتاج أنواع من الملابس المخصصة للعمال يوني فورم حيث تم إنتاج أكثر من 5 آلاف قطعة منذ انطلاقة الإنتاج الفعلي قبل أربعة أشهر بالإضافة إلى خياطة اللباس المدرسي والذي تم استجراره بأسعار مخفضة من قبل بعض فعاليات المجتمع لتوزيعه مجانا على التلاميذ والطلبة من ذوي الشهداء والشرائح المتضررة مؤكدا أن خطة العمل في المرحلة القادمة تقضي بإنتاج المزيد من كميات الألبسة الجاهزة على أنواعها لتغطية حاجة السوق المحلية حيث تم في وقت سابق التعاقد مع شركة وسيم للألبسة الجاهزة لافتتاح صالة مشتركة والمشروع جاهز حاليا للتنفيذ.
وأكد أنه “يتم الالتزام بدفع رواتب العاملين في الأول من كل شهر بالإضافة إلى المكافآت بهدف تشجيع العملية الإنتاجية”.
أما المزايا الممنوحة للعمال فتتضمن كما ذكر مدير المعمل تأمين وسائل النقل من أماكن سكن العمال إلى العمل وبالعكس بالإضافة إلى إلحاق جميع العاملين بمنظومة الضمان الصحي وتسجيلهم في التأمينات الاجتماعية إضافة للعديد من الميزات الأخرى.
من ناحيته أشار وسام كنجو مدير الإنتاج في المعمل أن ريعية القطعة المنتجة في المنشأة تعتبر منخفضة عموما نظرا لأن جزءا من الربح يعود لتأمين رواتب العاملين والثاني للدخول في المناخ التنافسي الذي تفرضه السوق المحلية مؤكدا أن نتائج الانطلاقة العملية للإنتاج جاءت مبشرة و واعدة بتحقيق مزيد من الاستقرار المادي والمعنوي لكافة العاملين و للكثيرين من أفراد الشرائح المتضررة ممن تسعى الإدارة لمدهم بالاحتياجات الضرورية بصورة دورية خاصة أهالي الشهداء والعائلات المحتاجة .
وتمنى كنجو أن تشهد المرحلة القادمة من العمل ازديادا في حجم التفاعل الإيجابي مع المعمل من الفعاليات التجارية في المحافظة عن طريق عقود تشاركية مستقبلية تحقق المزيد من الإنتاج وتوسع عملية التسويق بما يعود بالنفع العام على كل الأطراف.
أما أبرز الصعوبات التي تواجه العمل ويفرضها الحصار الاقتصادي الجائر على الشعب السوري فتحدث عنها بشار جوهر رئيس لجنة المشتريات مشيرا إلى أنها تتمثل في تأمين المواد الأولية وارتفاع أجور الشحن والنقل لكنه أكد في الوقت نفسه أنه غالبا ما يتم تجاوز العراقيل والعوائق والتغلب عليها من خلال السعي الحثيث لتأمين المادة الأولية بالتنسيق مع العديد من الفعاليات التجارية والتي تبذل جهدا كبيرا لدعم هذا المشروع انطلاقا من إحساس المجتمع عموما بأهمية التشاركية الإنسانية لدعم الفئات المتضررة.
وخلف إحدى آلات الخياطة جلست السيدة أم علاء “والدة شهيد مؤكدة أن العمل هنا يشغل أيامها الفارغة ويعيد إليها الإحساس بجدوى الوقت وقدرة الإنسان على تجاوز المحن ليبدأ من جديد وخاصة في ظل وجود نسوة تجمعهم ظروف متشابهة فكل واحدة تعاون الأخرى لافتة إلى أن العمل يؤمن موردا ماليا مقبولا يعينها على مصاريف الحياة اليومية.
أما فاطمة العلي فقد أشارت إلى أنها هجرت من حلب مع أولادها الثلاثة في الوقت الذي يؤدي فيه زوجها العسكري واجبه الوطني لتجد نفسها مضطرة لرعاية الأسرة وتأمين متطلباتها المعيشية فكان العمل في الورشة بمثابة طاقة فرج لها لمساعدة ورعاية أطفالها ومن خلال عملها باتت قادرة على تحقيق اكتفائها الذاتي بما يحقق لها و لأولادها احتياجاتهم الأساسية وكرامتهم الإنسانية.
الأمر نفسه أكدت عليه العاملة حياة شقيف مشيرة إلى أن “تهجيرها و أسرتها من ريف حماة بفعل أعمال المجموعات الإرهابية جعلها تشعر أن حياة عائلتها باتت في مهب الريح إلى أن انطلقت بالعمل في المنشأة لتحقق استقرارا ماديا ومعنويا”.
لقد تعززت ثقتي بنفسي أمام ولدي بالدرجة الأولى هذا ما قالته بدورها.. بتول حسين وهي زوجة شهيد وأم لطفلين معربة عن كثير من الطمأنينة و الراحة النفسية بعد أن باتت قادرة على شراء ما يحتاجه ولداها ويرغبان به.
كذلك عبرت كل من العاملتين روماز ابراهيم وبتول ونوس عن ارتياحهما لتحسن وضعهما المادي كثيرا بعد خوض تجربة العمل وبالتالي مساعدة أسرتيهما في قضاء الحاجات المعيشية المتزايدة حيث تعمل بتول لساعات إضافية بسبب قرب سكنها من موقع المعمل وهو ما يملأ نهارها بالكامل ويشعرها بالأمان المادي فلا وقت للملل أو للتفكير بما يقلق راحتها حسب قولها.
تمام الحسن