بعد تخصّصها فيما يسمى «الثورات» سواء منها «الملونة»، أم «الربيعية» التي قدمت أميركا نفسها من خلالها راعيةً لمصالح الشعوب، وحاميةً للحريات والديمقراطيات في العالم، فيما هي تعمل من خلالها للهيمنة والسيطرة عليه.. كشف العالم وعرّى ماهية هذا التخصص ففقدت أميركا مصداقيتها، وبخاصة ما قامت به من حيث التلاعب بعقول ومشاعر الناس البسطاء العاديين في الدول التي تريد إحكام قبضتها عليها عن طريق مخططات مخابراتها: الـ«CIA»، والمنظمات غير الحكومية فيها الداعمة زيفاً لحريات الشعوب وديمقراطيتها مثل مؤسسة سوروس، وبيت روزفلت للحرية، وغيرهما من الشركات التي تسعى إلى حق يراد به باطل والعاملة على خلق تلك «الثورات»، وهذا يعني سعي أمريكا للهيمنة على النظام العالمي الجديد، بإركاع الدول لإرادتها ومشيئتها، وهو ما تؤكده سياستها تجاه المنطقة وتجاه روسيا: القطب القوي المنافس لها والداعم الأكبر للحقوق الإنسانية، وسيادة الدول، والمحقّق الأهمّ لمبادئ المجتمع الدولي الأخلاقية، والمؤكد على ضرورة احترام القانون الدولي والمواثيق والقوانين الدولية.
ويأتي وصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عبر حديث نشرته صحيفة «كومير سانت» الروسية خيرَ تعبيرٍ عن الأخطار المحدقة بالعالم التي تأتي سياسة واشنطن في مقدمتها، عندما أكد أن تنظيم «داعش» الإرهابي ومرض«إيبولا» القاتل ومعهما محاولات واشنطن إخضاع العالم وفرض إرادتها عليه، هي من أهمّ الأخطار التي تهدد أمن العالم وسلامه، إضافة للإرهاب الدولي.. تدعمه في ذلك نتيجة استطلاع للرأي أجرته شبكة «سي إن إن» الإخبارية الأمريكية لعام2014 وأكد أن سياسة أميركا تسير في الاتجاه الخاطئ، إضافة إلى رأي أغلبية الأميركيين بأن أوباما لم يحقق شيئاً من طموحاتهم وتوقعاتهم.
وبالنظر إلى رأي الأميركيين في سياسة أمريكا «أوباما» الخاطئة، نجد أنه لا يتطرق أو لا تدخل ضمنه تلك الشراكة الاستراتيجية بين «إسرائيل» والولايات المتحدة عام 2014، الذي وقع فيه الرئيس أوباما على قانون يضمن أمن «إسرائيل» وحمايتها، وبهذا القانون يكون الرئيس الأميركي الأكثر دعماً لـ«إسرائيل».. في الوقت الذي مازال يمنّي فيه النفس بمتابعة المهام الصعبة حول العالم، عندما قال لجنوده في ليلة عيد الميلاد في هاواي التي يقضي عطلته فيها إن أمامهم الكثير من المهام ليفعلوها، وبخاصة أن بفضلهم صار العالم أكثر أمناً وسلاماً ورخاءً، وأن الولايات المتحدة تتمتع بالحماية والأمن، ولن تكون أبداً هدفاً للهجمات الإرهابية مرة أخرى.
وما يقوله أوباما ينطوي على حقيقتين اثنتين:
أولاهما: حقيقة أن لديه مهامّ أخرى، ضمن المخطّطات المرسومة لهذه المنطقة وما حولها، بغية تحقيق المصالح الأمريكية كاملةً فيها والحفاظ على أمن «إسرائيل» بخلق ولايات ومقاطعات ضعيفة لا رابط بينها، وليس لها عنوان دولة، بمقدار ما تحمل عناوين التقسيم الديني والمذهبي، وفق مخطط التفتيت ومشروع التقسيم لتجزيء المنطقة وإضعافها، والقضاء على مقدراتها.
ثانيتهما: حقيقة أن أمريكا فعلاً تتمتع بالحماية والأمن، لأنها هي مَنْ خلقت «داعش» وأشباهه ومرادفاته، وأطلقت أذرعه السرطانية، لتعمل في العالم العربي قتلاً، وذبحاً، وفساداً، وبخاصة سورية بما جرّ عليها من ويلات، وقتل، وتدمير، تنفيذاً لحلم التقسيم الذي لن تناله أميركا وحلفاؤها مهما اشتدت الصعاب، وازدادت المؤامرات، لما أبدته، وتبديه من صمود ومقاومة أذهلا العالم أجمع.
في عتبة عام 2015، أصحاب المصالح الاستعمارية لن يكفّوا، أو يتوانوا عن متابعة تنفيذ مشروعهم الاستعماري في المنطقة، ولن يتوقفوا عند حدّ، ولا يعنيهم أو يهمهم أيّ مسار سياسي، فالحل السياسي في المنطقة يهمّ فقط مَنْ يتمتع بالأخلاق في ظل أزمة أخلاق يعيشها العالم، مستنداً في موقفه إلى الضمير الإنساني، وإلى تضحيات سورية الكبيرة التي أوقفت بصمودها مشروع التقسيم، ويعرفون تماماً أنه لا بد من التوقف هنا، لأن الأخلاق هي الإنسان والإنسانية.. والابتعاد عنها، والعمل بعكسها يحمل تسميةً أخرى لا تليق بأحد.
بقلم: رغداء مارديني