من روما: شرخ بين الرأي العام والحكومة حيال سورية

تبدو إيطاليا أفضل مرآة تعكس الوضع الاقتصادي والشعبي في أوروبا عامة، فهذا البلد المتوسطي القريب منا تأثر بشدة من «الخريف العربي»، بل لعله الأكثر تأثراً بين الدول الأوروبية على الرغم من أن موقف حكومته متشدد كباقي أعضاء «الناتو» وأعضاء مجموعة «العظماء السبعة G7» الغربيين..

أسمع هنا في العاصمة الإيطالية ما سمعته قبل شهرين أثناء إقامتي القصيرة هنا، عدداً من النواب والصحفيين ورجال الأعمال يرددون «لقد خانتنا حكومتنا التي أضحت تابعة لباريس ولندن وواشنطن»، يتحدث هؤلاء عن التضحية بالمصالح الإيطالية من أجل مواقف سياسية متعنتة للثلاثي الاستعماري المذكور.

كان لإيطاليا مصالح اقتصادية ضخمة في ليبيا ما قبل خريفها المشؤوم، قضت طائرات «الناتو» على النظام ولم تساعد الليبيين على بناء نظام جديد وإنما تركتهم للفوضى يقتتلون إلى مالا نهاية. الشركات الإيطالية انسحبت من البلد النفطي الواعد من أجل عيون بريطانيا والولايات المتحدة.

يتحدث الإعلاميون هنا معي وأنا قادم من أبشع ما في الخريف العربي من بؤر الإرهاب، ويقولون: إن سورية منذ ثلاثة آلاف عام كانت «درة التاج الروماني» وهي البلد الذي يحوي أكبر عدد من الآثار من العهد الروماني بعد إيطاليا، لكن «الناتو» الإنكلوساكسوني ما زال يستعبد اللاتين يساعده في ذلك اشتراكيو فرنسا الذين خانوا عرقهم اللاتيني..

أنا هنا في مهمة للمرة الثانية من الجمعية السورية للعلاقات العامة التي تنشط في إطار المجتمع المدني السوري عبر الاتصال بالرأي العام الإيطالي وغيره، وفي المرتين قابلت عدداً كبيراً من الإعلاميين المختصين بالشرق الأوسط، وعقدنا في سردينيا قبل شهرين ندوة حضرها نواب وإعلاميون وعرضت «تشرين» تقريراً كاملاً عنها. عدد كبير من الصحفيين زار سورية، بعضهم قال بالحرف عندما سألوه عن «المعارضة المعتدلة»: «لا يوجد في سورية معارضة معتدلة هناك أسوأ الإرهابيين في العالم يدعمهم الناتو والرجعية العربية المتخلفة»..

الرأي العام ورجال الأعمال وعدد كبير من النواب يشكلون مجموعة ضغط على حكومتهم وهم لا يرون خطر الخريف العربي في دخل اقتصادي فقدوه فحسب، بل في خطر قادم أيضاً، يقول هؤلاء: إذا انتصر الإرهاب في سورية فسيأتي دور أوروبا لأن واشنطن ستستخدمه فزاعة من أجل تعزيز نفوذها كحامية لأمن أوروبا، ومن أجل خنق التطلعات الشعبية الأوروبية المشروعة لحل الناتو والخروج من تحت المظلة الأمريكية..

إن العلاقات العامة والدبلوماسية العامة أضحت ضرورة حياتية لنا ونحن نبني سورية المستقبل وهنا في أوروبا يأخذ هذا النوع من النشاط مساحة كبيرة في دائرة العمل السياسي بمعنى أن صوت الشعوب أصبح أكثر قوة، والشعب السوري الذي يدافع مع جيشه وقيادته عن مصيره اليوم ينبغي أن يكون حاضراً أيضاً في حقل العلاقات العامة هذا.

بقلم: مهدي دخل الله