بالأمس كان تداعي السوريين من مختلف فئات الوطن لـ “عز” الليرة السورية، المشهد الأكثر تعبيراً ورمزية عن تصاعد قرار الصمود الشعبي نحو المواجهة، بعد نحو أربعة أعوام من الحرب على مكامن القوة السورية، والوعي أولها، كما كان إسقاط طائرة الاستطلاع الإسرائيلية تعبيراً رمزياً بالغ الدلالة عن تصاعد القرار الرسمي في الاتجاه ذاته، فيما كان اكتمال تحوّل “السلطان العثماني” إلى “فوهرر” كامل الأوصاف، المشهد الأكثر تعبيراً ورمزية، أيضاً، عن ملامح دعاة الحرية الجدد في المنطقة.
والحال فإن المشاهد والأوراق التي حفل بها هذا العام كثيرة جداً ومن الصعب إحصاؤها في كلمات معدودة، وإذا كان بعضها مبللاً بالدم والدموع، فإن بعضها كان واعداً بآمال متعاظمة بمستقبل أفضل.. فبعد أن سقط “معارضون شيوعيون”، باعترافهم أن واشنطن، قلعة الرأسمالية المتوحشة، استخدمتهم “لتصفية حساباتها” في المنطقة والعالم، عمقوا سقوطهم بوضع “قدراتهم” الثورية ونظرياتهم التغييرية الطموحة بأيدي الأنظمة العلمانية في المنطقة..!!، من قبيل نظام “أردوغان” الذي لم يكتف بكونه أكبر سجن للصحفيين والحريات في العالم، بل أعلن بصفاقة معهودة أنه “لا يمكن أن تتساوى النساء مع الرجال”، ونظام “مملكة الرمال”، الذي يمنع المرأة حتى من قيادة السيارة، ثم لا يتوانى عن دعوة الدولة، الوحيدة في المنطقة التي تحتل بها المرأة منصب نائب رئيس الجمهورية، إلى إشراك النساء بصورة كاملة في الحياة السياسية..!!.
وفي السياق ذاته فقد سقطت ورقة “الإعلام الأمريكي الحر” مع تقرير الكونغرس حول أساليب تعذيب الـ “سي آي إيه” الذي يحتوي على معلومات عن مساهمة كبار المؤسسات الصحافية وكتابها في عمليات التعذيب تلك، من “خلال التعتيم على حقيقتها والمساهمة في تبييض صورة وكالة الاستخبارات” وتبرير أساليبها “القروسطية” بامتياز.
وعلى المستوى الإقليمي اكتمل سقوط أوراق “الإخوان” وأتباعهم، مع سقوط مرشحهم المضمر للانتخابات الرئاسية التونسية: “مسيلمة الذي يدّعي الثورية”، بحسب ما أسماه شاهد من أهله وأهلهم، فيما كان اتهام “بوتين” للرياض وواشنطن بشن حرب الطاقة على بلاده لإركاعها، واعتراف واشنطن بفشل نظام العقوبات والعزل المزمنين على كوبا هما من أهم أوراق آخر العام الدولية، نظراً للارتدادات المتوقعة لهذين الأمرين في قادم الأيام.
بيد أن “الأوراق” لا تتوقف على ما سبق، فعلى وقع التغيّرات الميدانية المتسارعة، بدأ الغرب ببراغماتيته المعهودة يعترف، ولو على استحياء، بالواقع السوري المستجد، خاصة بعد أن “وصل البل إلى ذقنه” كما يقال، وبدأت شوارعه من أستراليا إلى واشنطن تعاني من ارتدادات دعمه اللامحدود لمن أسماهم بـ”المعتدلين”، لكن التجربة علمتنا أنه لا يجب الركون إلى ظواهر الأمور، فالمؤامرة مستمرة، وآخر أوراقها ما أعلنه الأمين العام السابق لحلف شمالي الأطلسي، أندرس فوغ راسموسن عن استحضار النموذج البوسني كحل “للأزمة في سورية”، وهو أمر خطير من حيث تناوله تنوعها الفريد، والذي هو سر الحياة المعلن، وسر سورية عبر تاريخها المعروف.
وبهذا الإطار فإن الاحتفاء بأوراق القوة، يجب ألا يعمينا عن ضرورة معالجة أوراق الضعف، وبالتالي فإن رفع مستوى محاربة “دواعش” الداخل، من فاسدين ومفسدين، وغيرهم إلى مستوى مصيرية محاربة “دواعش” الخارج، هو أمر لم يعد يحتمل التسويف والمماطلة، وللإعلام، بطبيعته الكاشفة، الدور الأكبر في ذلك، وهذا يحتاج إلى إزالة “الطحالب” التي تعيق مجراه، سواء كانت من داخله أو جاءت من ضفافه، وصولاً إلى إيجاد الحلقة التي لم تكتمل بالصورة المرجوة بعد بين قوة حقنا وصلابة جيشنا وصبر مواطنينا، وبين قدرة إعلامنا، على تحويل ذلك إلى قيمة مضافة لأوراق القوة السورية.
وبالمحصلة كان عاماً للدم والدموع وقعقعة السلاح، وعلى أمل بأن يكون العام القادم عام السياسة والحل السلمي، فإن أهم أوراق العام وأبرزها قيام السوريين بإعادة تأكيد المقولة الخالدة: “وعز الشرق أوله دمشق”.
بقلم: أحمد حسن