كيف يبدو الكونغرس الأمريكي وهو يعلن ولاءه المطلق لـ«إسرائيل» بموافقته على منح ملايين الدولارات لها من جيوب دافعي الضرائب الأمريكيين؟
استناداً إلى الصحف والمواقع الأمريكية فإن هذه المبالغ تبدو ضئيلةً جداً ولا تذكر قياساً إلى ما تقدمه الولايات المتحدة لـ«إسرائيل» من نفقات وخدمات، إذ من المعروف تماماً أن كلّ المخطّطات الأمريكية التي رسمتها الـ «CIA» وكلّ السيناريوهات التقسيمية المعدّة للمنطقة هي في الواقع كرمى لعيون «إسرائيل». ولأنه يستحيل بقاء هذا الكيان الاحتلالي ضمن منظومة دول عربية مقاومة ممانعة، كان قرار تفكيك هذه الدول وتقسيمها إلى إثنيات ومذاهب وطوائف تتقوقع على نفسها، كل منها في زاوية، من دون الأخذ في الحسبان معنى النسيج الاجتماعي المتماسك الذي عاشته هذه المنطقة قروناً، وساهم في إغنائها وتنوّعها وإثرائها، وكذلك متانة التعايش بين مكوناتها، هذا التعايش الذي أدرك كل المتآمرين فيما بعد أنه أغلق الباب في وجه مؤامرتهم وحربهم الكونية على سورية، مسنوداً بما قدمه جيشها العظيم، وقائدها الكبير الذي حدّد أبعاد المؤامرة، وأهداف الإرهاب العالمي عليها، وحجمه، وقد دللت على ذلك استراتيجيات الدفاع المنوّعة التي وعى الشعب السوري فيها تماماً ما يحاك من شرّ له ولبلده.
المخطط المرسوم للمنطقة عامة ولسورية خاصة، كان ضخماً، ومدروساً جيداً، لكن الإرادة السورية الصلبة العصية على الانكسار أوقفت عجلة تقدمه، وأكدت للعالم أن في الميدان السوري ما لم يعهده، من أسطورة صمود وبطولة واجهت أخطر مرحلة مرت عليه في التاريخ الحديث والقديم.
وما تعلنه «إسرائيل» عن إقامة مشافٍ على خطوط وقف النار في الجولان المحتل لمعالجة المصابين من إرهابييها، ينبئ عن ماهية هذا الكيان المسخ الذي وجد ضالته في مرتزقة الداخل والخارج والجوار المحيط، هؤلاء الأدوات المأجورين الذين سخروا أنفسهم لحماية هذا الكيان على حساب جثث أبناء شعبهم، وعلى حساب تدمير وطنهم.
وكذلك النيات المعلنة الهادفة إلى إنعاش الإرهاب وتقويته ليبدأ كرّته من جديد، في التعاطي مع الميدان السوري الذي أثبت قدرته العظيمة على الكرّ والفر، وخاصة الجبهة الجنوبية الممتدة عين «إسرائيل» الوقحة عليها، بتآمر «الكريدور» الأردني المفضوح وخدماته الجلّى المقدمة لأمريكا و«إسرائيل» على حساب الأمن والاستقرار في سورية ووحدة أراضيها… الأردن الذي يعمل ضمن جوقة الحرب بالوكالة عن «إسرائيل»، التي تمدّ إرهابييها بكل الدعم والمساندة والتخطيط، على نحو لا يدعو للشك في أنها عرّاب هذه المؤامرة الكبيرة على المنطقة كاملةً، وبخاصة على الدولة السورية، وكل ذلك بمساندة الغرب المنافق الذي يذرف دموع التماسيح، ويتناسى أن دعمه للإرهاب هو استمرار للحرب واستمرار الأزمة، وما التصريحات التي يعلنها والمؤتمرات التي يعقدها إلا ذرّ للرماد في العيون، وخجلاً من حقوق الإنسان التي يدّعيها ويتشدق بها، فسياسته تجاه سورية والمنطقة لا تنبئ عن حضارةٍ يتفاخر بها زوراً وبهتاناً.
إن الحرب الدائرة على الأراضي السورية، أفرزت معنى آخر لكل من تآمر، وشارك في الحرب عليها من الدول الدائرة في فلك التآمر، وأعطت لكل من هذه المفرزات نصيبه من حيث التعاطي مع الصمود السوري الأسطوري، الذي جعل العالم يرى كيف أن سورية سجلت فصلاً مشرّفاً في التاريخ المعاصر.. فصلاً من القوة والإرادة وعدم الاستكانة، وأكد أنها تشكل الصخرة العصية على كلّ من حاول، ويحاول تخطّّي أراضيها والمرور بالمؤامرة إلى دول أخرى، كان التقسيم سائراً إليها بفعل الربيع «الديمقراطي» الذي هلّل له مدّعو الحرية التكفيريون الظلاميون.
لا شك في أن تمويل «القبة الحديدية» الإسرائيلية الذي قدمه، وما زال يقدمه الكونغرس الأمريكي، لا يقدم فصلاً جديداً من فصول إثبات الدعم الأمريكي المطلق لـ«إسرائيل» فحسب، وإنما يقدم دليلاً آخر على أن الراعي الأمريكي لا يمكن له أن يتخلّى عن أبوّته الروحية لـ«إسرائيل» التي انبطح تحت أقدامها كلّ العرب المأجورين والمشاركين في مؤامرة القرن، مؤامرة ربيع الخزي والعار العربي.
وما على مدّعي العروبة وخَدَمة «إسرائيل» إلا أن يخبّئوا ما تبقى في وجوههم من صفاقة، وصهينة، وهذا فقط للتاريخ، حتى لا ترتسم عليها إشارات الاستفهام والتعجب مما ستفعله بهم الأجيال القادمة.
بقلم: رغداء مارديني