الكويت-سانا
أكد العديد من المحللين والخبراء الاقتصاديين أن مشيخات وممالك الخليج ستواجه أوضاعا صعبة وأزمات اقتصادية واجتماعية كبيرة مع استمرار تراجع أسعار النفط الخام متوقعين لجوء أنظمتها إلى إجراءات تقشف قاسية على مواطنيها.
ويشير المراقبون والخبراء إلى اعتماد اقتصاد تلك المشيخات على الإنفاق والبذخ من مواردها النفطية الغنية وعدم بنائها استثمارات عملية تدعم بناء اقتصاد حقيقي.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن المحلل الاقتصادي الكويتي جاسم السعدون قوله إن هذه الأوضاع التي تمر بها السوق النفطية ستؤدي إلى فرض ضرائب بشكل محتم وستواجه هكذا قرارات امتعاضا شعبيا كبيرا ما قد يطلق بدوره احتجاجات شعبية مضيفا.. إن “هذه التدابير حساسة سياسيا إلا أن البديل هو احتجاجات في الخليج”.
واعتبر السعدون أن صلب المشكلة التي تواجه دول الخليج هو فشلها في اقتناص فرصة ارتفاع عائدات الطاقة من أجل تنمية اقتصاداتها خارج إطار القطاع النفطي.
وتابع السعدون إن “هذه الدول ضيعت فرصة مهمة للإصلاح وبناء اقتصاد متنوع بشكل حقيقي حيث ارتفع الإنفاق العام إلى مستويات قياسية ولم يكن ذلك على مشاريع بنى تحتية حيوية بهدف تنويع الاقتصاد بل ذهب خصوصا إلى الأجور والرواتب والدعم وعلى هبات مقابل الولاء السياسي”.
وقال الخبير ام ار راغو رئيس الأبحاث في مركز الكويت المالي إن “الإنفاق الجاري في دول الخليج تجاوز الإنفاق الاستثماري بأشواط” معتبرا أن خفض هذا الإنفاق الآن يبدو صعبا إذ أن ذلك يعني اتخاذ خطوات جريئة في مجالات الرواتب ودعم الأسعار.
وتقدر أرقام أن دول الخليج التي تضخ 5ر17 مليون برميل يوميا يمكن أن تخسر نصف عائداتها النفطية التي تشكل نحو 90 بالمئة من العائدات العامة بالنسبة لمعظمها مع الأسعار الحالية أي نحو 350 مليار دولار سنويا ومع انخفاض الأسعار إلى ما دون توقعات الموازنة فإن الحكومات ستواجه من دون شك عجزا العام المقبل.
ووفقا للمتابعين فإنه سيتبع انخفاض العائدات خفض في الإنفاق وربما أيضا فرض ضرائب للمرة الأولى في تاريخ هذه الدول ما يزيد المخاوف من الاستياء الشعبي ومن التباطؤ الاقتصادي في النهاية.
بدورها حذرت وكالة التصنيف ستاندرد اند بورز من أن الانخفاض الطويل في أسعار النفط سيبطئ على الأرجح اقتصادات دول الخليج وسيؤدي إلى انخفاض الإنفاق على مشاريع البنية التحتية الضخمة وسيؤثر أيضا على القطاع الخاص.
ونتيجة لذلك خفضت الوكالة مستوى النظرة المستقبلية بالنسبة للسعودية والبحرين إلا أنها أبقت على نفس التصنيف الائتماني بسبب التحوطات المالية الضخمة.
بدوره شدد النظام السعودي على عزمه الاستمرار بالإنفاق المرتفع عبر الاستفادة من التحوطات المالية إلا أن سلطات الكويت وقعت أمرا بإجراء اقتطاعات كبيرة في الإنفاق وهي تفكر في رفع الدعم عن المحروقات والكهرباء.
وفي الإمارات أعلنت دبي عن خطط لرفع أسعار الكهرباء والمياه حيث يتوقع أن تتخذ دول أخرى تدابير مشابهة.
ورجحت وكالة موديز للتصنيف الائتماني أن تبدأ دول الخليج إجراء اقتطاعات في الإنفاق على مشاريع استثمارية غير استراتيجية إلا أنها ستواجه في النهاية ضرورة اتخاذ قرارات صعبة.
وقالت الوكالة إن حكومات هذه الدول ستجد “صعوبات إزاء تباطؤ أو تراجع الإنفاق العام بما في ذلك إصلاح نظام الدعم إذ أن هذه الحكومات تواجه المطالب بالرفاه الاجتماعي”.
وكانت أولى تجليات أزمة انخفاض أسعار النفط برزت في انهيار بورصات الخليج وخسارتها مليارات الدولارات من القيمة السوقية للأسهم الأمر الذي يؤذي شركات مهمة من القطاع الخاص.
يذكر أن اقتصاد مشيخات وممالك الخليج يعاني مشكلات بنيوية مزمنة وبحسب أرقام صندوق النقد الدولي فإن عائدات النفط ارتفعت من مئة مليار دولار في العام 2000 إلى 729 مليارا العام الماضي إلا أن الإنفاق ارتفع من 150 مليار دولار إلى 547 مليارا حيث تحدد ارتفاع الإنفاق بشكل أساسي على رفع الرواتب والدعم وليس على الاستثمارات.
ويذكر لجوء الدول الخليجية المذكورة لإجراءات تقشفية بما جرى في دول أوروبية عانت أزمة خانقة اضطرتها للتقشف والاقتراض من الصناديق الائتمانية ما أجج احتجاجات شعبية واسعة في صفوف مواطني هذه الدول الأوروبية.