قصة المريض الأول وانتشار فيروس كورونا المستجد على نطاق واسع في إيطاليا

روما-سانا

ينشغل العالم برمته اليوم في حرب ضروس يسابق فيها الزمن للتصدي لفيروس كورونا المستجد “كوفيد 19” ولعل الصين ومقاطعتها ووهان مركز انتشار الفيروس استطاعت كبح انتشاره على أراضيها بعد سلسلة من الإجراءات الوطنية التي كان لها الفضل الأكبر في الحد منه فيما تعاني العديد من دول العالم وعلى رأسها إيطاليا التي انتشر فيها الفيروس كالنار في الهشيم وحصد آلاف الضحايا بين وفيات وإصابات.

وتؤكد أبحاث المعهد العالي الفرنسي للصحة “انسيرم” أنه منذ بدء ظهور فيروس كورونا المستجد في الصين في أواخر عام 2019 كان واضحاً أن إيطاليا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا من بين الدول الأوروبية الأكثر عرضة لتفشي العدوى بسبب حركة التبادل والعلاقات الاقتصادية والتجارية الوثيقة التي تسهل انتقال الفيروس.

وتشبه بؤرة تفشي الوباء إلى حد كبير بانتشار الحريق الذي قد يبدأ في مكان ما دون سبب محدد ولكن انتشاره أو توقفه يعتمد على الظروف المحيطة به ووفق خبراء مشفى ساككو وجامعة ميلانو الإيطالية ترجع جذور فيروس “كوفيد 19” المكتشفة في قليم لومبارديا إلى تاريخ الـ 21 من شباط قبل انتقاله إلى عموم إيطاليا عبر المريض الاول المكتشف “ماتتيا 38” عاماً.

المريض “ماتتيا” مواطن إيطالي توجه إلى قسم الإسعاف في مشفى كودونيو بتاريخ الـ 18 من شباط بسبب عوارض ظنها هو والأطباء بأنها مجرد التهاب رئوي ليعود بذلك إلى منزله ولكن عدم استجابته للعلاج دفع طبيبته المعالجة إلى الشك في الأمر بعد أن تدهورت حالته وتم إدخاله العناية المركزة ومن ثم تم نقله إلى مشفى تخصصي لإجراء الفحص المخبري فاكتشفت إصابته بفيروس “كوفيد 19”.

وتقول المصادر الصحية الإيطالية إن المريض رقم واحد كان قد نشر المرض في أماكن متعددة من البلاد فيما تأخرت الحكومة الإيطالية باتخاذ سلسلة الإجراءات الوطنية المطلوبة لجهة العزل الاجتماعي يضاف إلى ذلك الاستهتار الشعبي بالفيروس ما قاد البلاد إلى كارثة صحية مع سرعة انتشار الفيروس في العديد من المدن والأقاليم الإيطالية وخصوصاً الشمالية منها إذ يؤكد معهد روبرت كوخ للأمراض الوبائية أن إيطاليا تأخرت في تحييد وعزل المصابين بعد ظهور أول حالة وفاة على عكس دول أخرى.

وأعلنت إيطاليا تباعاً أقاليم الشمال من بيمونتة وفينيتو وإيميليا ورومانيا بؤرة تفشي الفيروس “مناطق حمراء مغلقة” من الثامن من آذار عبر تطبيق الحجر الصحي وعزل الكثير من المدن والبلدات لتتوقف فيها الحركة وتغلق المدارس والمعاهد والمحال التجارية والمطاعم ويفرض شبه حظر تجول فيما تؤكد المصادر أن سبب سرعة انتشار العدوى يعود لتقارب المساحات الحدودية بين بلدات الشمال وحركة المواطنين الكثيفة بين العمل والحياة الاجتماعية النشيطة والعادات التي تجعلهم أكثر عرضة وعلى رأسها التدخين.

ويشير معهد روبرت كوخ إلى أن استخفاف البعض بمخاطر تفشي الفيروس خصوصاً مع استغلال العطل للتنزه فاقم انتشار المرض لتتجه السلطات إلى إغلاق جميع المرافق السياحية إلا أن توجه عشرات آلاف الإيطاليين ليلة إعلان الحكومة الإيطالية الإغلاق الشامل إلى محطات النقل للعودة إلى منازلهم هرباً من المدن الكبرى وخوفاً على بقائهم معزولين بعيداً عن عائلاتهم أدى إلى انتشار حالات عدوى في الجنوب الإيطالي فاضطرت الشرطة لإغلاق محطات الباصات وإيقاف القطارات ومنع السفر بين المدن.

وتشير وسائل الاعلام الإيطالية إلى أنه منذ اكتشاف أول حالة للفيروس في الصين طبقت الحكومة الصينية إجراء الفحص المخبري وبنتيجة فورية على كل من توجه لمراجعة الطبيب أما في إيطاليا فما زال الفحص المخبري غير إجباري حيث بدأت القطاعات الصحية الإيطالية بإجراء الفحص المخبري لكل من يشتبه بحالته على عكس ألمانيا التي أجرت الفحص المخبري فقط على من تظهر عليهم عوارض المرض رغم أن الفيروس في الكثير من الحالات كان دون عوارض واضحة فبدت أعداد الإصابات متفاوتة رغم تصريح المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في العاشر من آذار بأن ستين إلى سبعين بالمئة من الألمان معرضون للإصابة بالفيروس وهذا ما بدأ يظهر فعلياً.

في السادس عشر من آذار بدأ تفشي العدوى في كامل أوروبا ولم يعد بإمكان الدول التي استخفت بالموضوع واستهزأت بالإجراءات الوقائية الإيطالية في البداية سوى اتخاذ الإجراءات نفسها وسط تصاعد الأعداد الحقيقية للمصابين.

شكلت أعداد الإصابات والوفيات في إيطاليا صدمة للعالم أجمع وكشفت دراسة أجرتها مجلة “ساينس” الإيطالية العلمية أن أمام كل حالة إصابة إيجابية بالفيروس هناك على الأقل من خمس إلى عشر حالات غير مكتشفة وفيما بدأت المنظومة الصحية الإيطالية بتطبيق الفحص المخبري على من لديهم أعراض واضحة ارتفعت تلقائيا نسبة الوفيات مقارنة بعدد الإصابات المؤكدة وحتى الـ 21 من آذار تم إجراء الفحص المخبري لأكثر من 233 ألفاً لتحتل إيطاليا المرتبة الأولى في تطبيق الفحص المخبري بعد كوريا الجنوبية.

ويؤكد بروس ايلورد نائب رئيس منظمة الصحة العالمية ارتباط نسب الوفيات المرتفعة في إيطاليا بعدم إجراء الفحوص المخبرية في بلدان أخرى الأمر الذي يحدد سرعة ومدى انتشار الوباء إضافة إلى ارتفاع أعمار المصابين.

ومن ناحية أخرى عزت وسائل إعلام إيطالية كثيرة نسبة الوفيات المرتفعة في البلاد والتي تجاوزت الصين إلى تكوينها الديموغرافي كونها البلد الأكثر شيخوخة في أوروبا وانتشار العدوى بين كبار السن كونهم الحلقة الأضعف في مواجهة الوباء بسبب تأثيره المباشر على المصابين بالأمراض المتعلقة بالشيخوخة مثل أمراض القلب والجهاز العصبي والجهاز التنفسي وفقر الدم.

يجدر الذكر أن الأعداد الكبيرة للمصابين بالعدوى شكلت ضغطاً كبيراً على النظام الصحي الإيطالي رغم أن إيطاليا صنفت عام 2017 كأفضل دولة في العالم من حيث قوة النظام الصحي.

انظر ايضاً

وزير العدل يلتقي وفداً من المحامين الأتراك بدمشق

دمشق-سانا التقى وزير العدل القاضي شادي الويسي وفداً تركياً رفيع المستوى من محامين ووكلاء محامين …