الأوهام الانفصالية تحتضر

في خطوة تالية، و”تطويرية”، لرفضها مناقشة ورقة “الركائز الوطنية” في إطار اجتماعات لجنة مناقشة الدستور في الجولة الثانية من اجتماعات جنيف، جدّدت المعارضة الأردوغانية أمس في أستانا رفضها إدانة الاحتلال التركي لمناطق سورية، بل وأعلنت دعمها “بقوة” لتوغل الجيش التركي في شمال سورية، على اعتبار أن هذه العملية “تحقق أهدافاً استراتيجية في وحدة الأراضي السورية”!!

ومع أن علينا أن نعتاد، من الآن وصاعداً، على الحضور الدائم لأنموذج اللًغة الأردوغانية، الديماغوجية والغوغائية والعبثية، في سياق التصريحات والمواقف والمقاربات الإخوانية المتخفية بين أوراق بعض من حملة جوازات السفر السورية، إلا أن الفضيحة هي أن “إخوان سورية” يتحوّلون، بالتدريج، إلى نوع من انكشارية أردوغانية مهمتها أن تشكّل رأس الحربة لمشروع انفصالي مواز – أو “مضاد” حتى الآن على الأقل – يضعهم “نظرياً” في مواجهة انفصاليين معلنين مما يسمى “قوات سورية الديموقراطية”، وذلك بانتظار انقشاع المواقف النهائية التي ستكشف حقيقة الأخيرين بصفتهم حثالات مرتزقة متمرسين في مقايضة سياسية يمكن أن تقودهم إلى التحالف مع النظام التركي، على قاعدة الشراكة المتبادلة مع “السيد الأمريكي” الواحد، وهو ما تشي به التسريبات الإعلامية حول عروض ورسائل وتقديمات سخيّة قدّمها “قياديو” عين عيسى، ولكن “العدو” أردوغان رفضها، للمفارقة المضحكة المبكية!

لقد حسمت المعارضة الإخوانية أمرها، كما يبدو، وقرّرت أن ترهن مصيرها للشيطان في اسطنبول، فيما لايزال “المقاتلون الأجانب” من حزب العمال الكردستاني، العابر للحدود، في موقع الترقب بانتظار تبلور الخارطة الأمنية والعسكرية الجديدة في الشمال السوري. كلاهما قرر المضي في الشراكة مع الناتو (التركي، الفرنسي، الأمريكي) إلى النهاية، وكلاهما يعمل على مد الحدود الجنوبية الشرقية للحلف الأطلسي باتجاه الأراضي السورية، في معطى جيوبوليتيكي يحاول الالتفاف على الخسائر الميدانية من خلال اختلاق وقائع ديموغرافية تستعير صورياً مبدأ وحدة الشعب السوري، وحقيقة أن سورية لكل السوريين، لكي تدشّن على الأرض مشروعها الاستيطاني القائم على أساس الإثنية أو الطائفة المتخيلتين.

إن “الحاجة إلى تسهيل العودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين” تجد، هنا، من يحوّلها إلى مطيّة كلامية لاستهداف وحدة الشعب السوري في الصميم، من حيث قدرة هذا الشعب على إنجاز التعايش والعيش المشترك فوق أرضه الواحدة.. والمشتركة، وهو ما يعبّر عن حقيقة المرجعية المعادية للوطنية، والمضادة لثوابت المجتمع السوري والعابرة لحدوده، لكل من انفصاليي الجزيرة السورية والفرع المحلي السوري لتنظيم الإخوان العالمي؛ وكل ما عدا ذلك يبقى مجرد غنائيات وبروباغاندا مخادعة وكاذبة، عابرة و”مرحلية”، وللاستهلاك المحلي، الغرض منها تسهيل تمرير المشاريع الفئوية، والمناورة على الوطنية السورية العميقة والمتجذّرة والأصيلة، والتي رفضت، وترفض، وسترفض، أي مساس بوحدة الأرض والشعب، ولن تهادن على ذلك، وهم يدركون ذلك تماماً، ولكن عمالتهم تجبرهم على التعامي عنه، وتجاهله، والقفز من فوقه!

حتى الآن، يظهر المشروعان الانفصاليان على أنهما في حال من المواجهة والتصادم، غير أن ما يجري حقيقة هو أن سورية تواجه حرباً من نوع آخر تؤثِر الانكفاء عن الداخل السوري، بعد فشلها الكامل، لكي تدعم ميليشيات (جيوشاً) حدودية، على شاكلة تنظيم “خلق” الإيراني، أو العصابات المسلحة، المنخرطة في عالم المافيا والمخدرات والجريمة المنظمة، و”تهريب النفط”، للتأثير على الأنظمة التقدمية في أمريكا اللاتينية، بما يوفّر إمكانية التدخل المستمر في شؤونها الداخلية، بل والعمل على قلب أنظمتها السياسية الوطنية.

اختتمت الجولة الرابعة عشر من محادثات أستانا أمس بـ “فتح الطريق الدولية M4 بين حلب والحسكة”.. هذا ما يمكن أن يكون عنواناً لائقاً بمشهد يوم كامل..! يمكن أن نضيف أن المشاريع التقسيمية تلقت بذلك ضربة جديدة لا يستهان بها، وأن الانفصاليين، على اختلاف مصارف تمويلهم ومصادر تسليحهم، مضطرون، كل يوم، لمواجهة حقائق ميدانية مستجدة تعيدهم إلى حجمهم الأولي كعملاء فاشلين في خدمة الاستخبارات الأجنبية. إن الأوهام الانفصالية تحتضر من كل جانب.. بقي أن نهيل التراب على أولئك الخونة الذين لا يمتّون بأدنى صلة إلى الوطنية.

بسام هاشم