عندما يكون التدخل الدولي في بلد ما كبيراً، سواء من أعداء أو من أصدقاء، يصبح من المهم تحليل الألفاظ والمصطلحات، ناهيك عن المواقف، ما يسمى بالأزمة السورية هي من هذا النوع حيث من الضروري متابعة الألفاظ لأنها تعبر عن تطوير في المواقف.
أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أنقرة، وقبل ذلك أثناء لقائه مع الوزير وليد المعلم في موسكو، «أن الرئيس الأسد منتخب من شعبه»، وهذا يعني نهاية طروحات «جنيف واحد» وطروحات القرار 2118 حول مفهوم الانتقال، مع التذكير بأن موسكو كانت إحدى الدول الموقعة على بيان «جنيف واحد» والموافقة على القرار المذكور.
ويوجه بوتين في تأكيده بأن الرئيس الأسد منتخب من شعبه رسالة جديدة يمكن عرض مضمونها كما يأتي:
1- إن مسألة الانتقال سواء كانت عبر «حكم انتقالي» أم «حكومة انتقالية» هي منوطة بالمرجعية الوحيدة.. التي هي رأي الشعب السوري، وهو ما ينص عليه البيان والقرار كلاهما.
2- إن هذه المعيارية تحققت وعرف العالم رأي الشعب عبر انتخابات رئاسية..
3- والأكثر أهمية: أن روسيا تعترف بعد الانتخابات بشرعيتين، نتائج الانتخابات كشرعية لحكم الرئيس الأسد لأنها مستمدة من الشعب، أما الشرعية الأخرى فهي الاعتراف بأن النظام السياسي السوري الجديد يطبق المعايير العالمية للديمقراطية وفق أنموذج «شبه الرئاسي» أو «نصف الرئاسي» كما يسميه الباحث الفرنسي موريس دوفرجيه، وهو أنموذج معمول به في روسيا نفسها وكذلك فرنسا.
4- وهذا يعني (ipso jure) – أي بالحق نفسه- أن مشكلة «النظام السياسي» في سورية قد تم حلها تماماً، وأن الحوار بين السوريين ينبغي أن يركز على المضمون والحيثيات وليس على الأطر الشكلانية للنظام السياسي.
الحديث هنا عن علم السياسة ومعاييره.. وصدقوا أو لا تصدقوا أن كل العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة، يفكرون بالطريقة الموضوعية نفسها، باستثناء تركيا وفرنسا وبعض دول الخليج، الفرق بين روسيا من جهة وواشنطن وأوروبا من جهة أخرى، هو أن المواقف والسياسات الروسية تبنى على المصداقية والعلمية – أي علم السياسة- بينما مواقف الطرف الآخر تبنى على رغبات ومطامع.
إن الانفصام في «الشخصية السياسية» للغرب يقابله تكامل في هذه الشخصية عند روسيا، ولسان حال موسكو اليوم يقول للسوريين: كنا نفكر بـ«المفهوم الانتقالي» لأننا كنا نريد معرفة رأي الشعب، وهو المرجعية الوحيدة لكل شيء في سورية، واليوم عرفنا رأي هذه المرجعية وفق المعايير الدولية للديمقراطية.
«جنيف واحد واثنان» أصبحا خلفنا بحكم رأي الشعب السوري، والطريق إلى الأمام اليوم مفتوح للحوار التطويري وليس التغييري، وهذا هو الجديد الإيجابي في الموقف الروسي.
بقلم: د. مهدي دخل الله