الشريط الإخباري

باقـون

قبل أقل من أسبوعين على ثاني انتخابات “تشريعية” خلال أقل من ستة أشهر، يقتحم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو البلدة القديمة من الخليل، وثمّة سؤال واحد فقط يشتعل في رأسه: كيف سيضمن أغلبية الـ 61 مقعداً في الكنيست، في وقت لا يمكن الوثوق بالأحزاب الحريدية التي ستلقي بنفسها بين ذراعي غانتس – منافسه على اليمين – إن فاز في الانتخابات، حتى قبل تكليفه بتشكيل الحكومة، كما أن القائمة المشتركة مع بقية تشكيلات اليمين ليست في الجيب، ولا تغيّرات دراماتيكية عن تلك التي تحققت في انتخابات نيسان الماضي، ولا فرصة حقيقية لإحداث تحوّل سياسي، فضلاً عن أن دعم الشارع الليكودي وصل إلى ذروته حقاً، ولكنه دعم ملغوم، فهناك مخاوف جدية من اشتراطات ليبرمان، وهناك مساع داخل الليكود لعزله – عزل نتنياهو – عن زعامة الحزب في حالة خسارته؟.

الحل – كما يراه نتنياهو – يكمن في الضرب بقوة على الوتر الحرب الدينية، والتوجّه مباشرة  إلى البلدة القديمة في الخليل، فمن هناك يمكن له ترتيب الأمور، خلال ما تبقى من أيام قبيل الانتخابات، بهدف زيادة فرصه بتشكيل الحكومة القادمة. لقد حضّ جمهور اليمين للتصويت لحزب الليكود فقط، وليس للأحزاب الأخرى المشاركة في كتلة اليمين، علّه يضمن بذلك الاستغناء عن ليبرمان، ولكن ما يقلقه، أيضاً، هو أن تؤدي خسارة الانتخابات، أو عجز الليكود عن تشكيل الحكومة، إلى عزله عن قيادة الحزب، خاصة وأنه  ليس مقتنعاً بولاء وزراء وأعضاء الليكود في الكنيست، وهو يخشى منع سن قوانين حصانة تحوّل دون محاكمته في ثلاث ملفات فساد، على الأقل، يواجه فيها تهماً بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، ويتوقّع أن تبدأ أول جلسة استماع مخصصة لها بدايات تشرين الأول المقبل.

ذهب رئيس الحكومة الإسرائيلية، دون أدنى تردّد، إلى حيث يمكنه تفجير الوضع برمته. هو يعرف أنه يلعب بالنار، وأنه يمضي إلى الحدود القصوى في استفزاز الفلسطينيين – على الأقل – وأنه يغامر بإدخال الشرق الأوسط في موجة جديدة من تفجّر المشاعر الدينية قد تقلب رهانات حلفائه الجدد من ملكيات ومشيخات النفط، وقد تبدّد “مكاسبه”، ولكنه من ذلك النوع النرجسي البليد والكئيب والقاسي المشبع بأوهام المعركة الأخيرة واليوم الأخير.. يوم لا رحمة فيه، ولا وجود في نهايته إلا لقاتل أو قتيل!.

نتنياهو سيبقى في الخليل للأبد – كما وعد ظهر أمس!! – “جئنا إلى الخليل من أجل إعلان الانتصار. لقد اعتقدوا أنهم سيقتلعونا، لكنهم أخطؤوا خطأ مريراً، عدنا إلى الخليل، عدنا إلى الكنس والمدارس الدينية، عدنا إلى الحرم الإبراهيمي.. هذا انتصارنا!”.. هكذا يختلط المصير الشخصي بالهياج الديني الرخيص والدعاية التاريخية المزيّفة على مذبح الخوف من فقدان سياسي لعوب لمنصبه الحكومي، وهكذا يتحوّل الشرق الأوسط، في ظل سياسات أمريكية باهتة يقودها رئيس شعبوي، إلى حلبة للمزاوادات والمتاجرات البغيضة التي تستمد أسباب وجودها من الجمود السياسي القائم في الكيان الصهيوني أولاً، ومن الإصرار على التنكّر للحقوق الوطنية والمشروعة للشعب العربي الفلسطيني، ذلك أن ظاهرة سياسية متطاولة، مثل نتنياهو، لا تعكس وحسب غياب السلام والاستقرار في المنطقة، بل وتعبّر عن أزمة المجتمع السياسي الإسرائيلي الغارق في العدائية والانغلاق والتطرف والجمود.

زيارة نتنياهو لن تغيّر من الحقيقة شيئاً، فالخليل بحرمها الإبراهيمي الشريف كاملاً، وبلدتها القديمة، كما فلسطين كلها، بمدنها وبلداتها وقراها، كانت، وستبقى فلسطينية عربية، ويخطئ خطأً مريراً من يعتقد أنه قادر على اقتلاعهم من أرضهم.. هم باقون في الخليل، في كنائسهم ومساجدهم ومدارسهم الدينية.. هم لم يعودوا ولن يعودوا إلى الحرم الإبراهيمي.. هم باقون منذ آلاف السنين، وسيبقون.. “هم على صدوركم باقون”.

بقلم: بسام هاشم