الشريط الإخباري

في عيد العمال العالمي.. عمال سورية أول من صنع في العالم خيوطاً صوفية ناعمة كالشعر

دمشق-سانا

يشكل العمل بشقيه العقلي والعضلي أهم مقومات استمرار الحياة البشرية وتقدمها وبفضل العمل قامت الحضارات الإنسانية وازدهرت الدول ففي العمل تحقيق للذات وتلبية للاحتياجات وتدعيم لأسس المجتمع ومن خلال إتقانه وربطه بالعلم والتكنولوجيا الحديثة تتكون رؤية ومخطط واضح للمستقبل لذلك يحتفل العالم بأسره بيوم العمال العالمي في بداية شهر أيار من كل عام.

وفي تصريح لـ سانا يقول المؤرخ الدكتور محمود السيد خبير الآثار وقارئ النقوش الكتابية القديمة في المديرية العامة للآثار والمتاحف إن العمل منذ الأزل ضرورة فطرية ولا يمكن للحياة البشرية أن تستمر على وجه الأرض بدون العمل وإتقانه فحياة الإنسان واستمرارها على الأرض مرهونة بالعمل والعمّال فالعمل هو روح الحياة وديناميكيتها وهو المحرك لهذه الحياة وهو الذي يعطيها الصبغة الحركية وهو أساس عمارة الأرض وحجر الأساس في ترك الاعتماد الكلي على الأمم الأخرى والعمال هم العنصر الحيوي في المجتمع الذي يسهم في تقدّمه وازدهاره والعلم هو طريق العمل الجاد.. وقد برع العامل السوري منذ الأزل واتصف عمله بالإتقان والجودة وتفرد في كثير من الصناعات وكان له دورالريادة العالمية فيها كصناعة النسيج.

اللقى الأثرية المكتشفة في مختلف المواقع الأثرية السورية توثق معرفة السوريين لصناعة النسيج منذ العصر الحجري الحديث

وأكد الدكتور السيد أن اللقى الأثرية المكتشفة في مختلف المواقع الأثرية السورية توثق معرفة السوريين لصناعة النسيج منذ العصر الحجري الحديث ويؤكد ذلك اكتشاف بقايا نسيجية في موقع تل حالولة الأثري تؤرخ بالألف السابع قبل الميلاد واكتشف في تل موزان في سورية طبعات قماش مماثل على أقفال أمان تؤرخ بالألف الثالث قبل الميلاد وفي منتصف الألف الثالث قبل الميلاد غزلت في مملكة ماري الخيوط الصوفية الدقيقة جداً من مركب ليفي طولاني دقيق قابل للتمديد ويدل على ذلك زخرفة ناتئة مكتشفة في موقع تل الحريري الأثري كذلك زرع سكان مملكة قطنة الكتان في النصف الثاني من الألف الثالث قبل الميلاد واستخدموه كمادة أولية للنسيج لكن أهميته تراجعت في أواخر عصر البرونز القديم ثم حل محلها الصوف منذ عصر البرونز الوسيط واكتشف في مملكة قطنة أيضاً بقايا مشغل للنسيج سجلت موجوداته مع عدد كبير من العاملات على رقيم مسماري أكادي مؤرخ بعصر الملك إداندا عثر عليه في القصر الملكي وكان المشغل يغطي حاجات القصر وكانت الأقمشة الثمينة تصدر إلى الخارج وتقدم كهدايا دبلوماسية وتؤكد الرقم المسمارية المكتشفة في مملكة ماري أهمية المنسوجات المصنعة في مملكة قطنة المتصفة بالتقانة وجمال النقشة والتي صدر منها جزء مهم إلى بابل وفي عصر البرونز الحديث تطورت صناعة النسيج بشكل ملحوظ ففي مملكة قطنة اكتشفت قطعتان من النسيج الناعم جداً والمصنوع بطريقة الأكلمة والمزود بنقوش هندسية متعددة الألوان هما في الوقت الحاضر أقدم الأمثلة في العالم والمثالان الوحيدان المؤرخان بعصر البرونز الحديث والباقيان بصيغتهما الأصلية وفق طريقة تصنيع النسيج في الشرق القديم.

مملكة قطنة في عصر البرونز تمكنت من إنتاج خيوط صوفية ناعمة كالشعر وبدرجة عالية من الدقة

وقال الباحث السيد إن مملكة قطنة في عصر البرونز تمكنت من إنتاج خيوط صوفية ناعمة كالشعر وبدرجة عالية من الدقة ولا يمكن تحقيقها اليوم حتى ولا بأحدث التقنيات وتتميز بكثافة عالية جداً تصل إلى 70 خيطاً في السنتيمتر المربع الواحد وتتراوح ثخانة الخيط الواحد ما بين 60و80 ميكرو متراً أي أن قطر الخيط كان يساوي قطر شعرة الرأس البشري.

وتم صبغ الأقمشة بالأرجوان كونه لا يتأثر بالغسيل أو الضوء وبعد 1500 سنة صنعت أقمشة صوفية ذات درجة مماثلة من الكثافة العالية في عدد الخيوط التي عثر عليها في القبور البرجية الرومانية في تدمر وتعتبر أقمشة مملكة قطنة أقدم أقمشة ملونة بالأرجوان في العالم وتقدم ملبوسات قطنة أقدم دليل في العالم على تدرج الألوان المختلفة للون الأرجواني داخل حلقة واحدة من النقشات، فتنوعت الألوان من الأحمر المائل إلى الأرجواني عبر البنفسجي والأزرق علماً أن جميع تدرجات الألوان تحتوي على أرجوان أصلي وبذلك يكون قماش مملكة قطنة هو أقدم قماش ملون بالأرجوان في العالم وأهم مصدر أصيل لحقل التدرجات المختلفة للون الأرجواني.

 

وأضاف كانت تتم الصباغة بالأرجوان من خلال استخراج المادة الملونة من العصارة الغدية لأنواع مختلفة من الصدف البحري وفي بادئ الأمر تكون مادة التلوين الأرجواني بلا لون لذلك يجب تعريضها للضوء لكي ينشأ لونها النهائي وتتأثر درجة اللون بنوع وعمر وجنس وتغذية الأصداف ومنشئها الجغرافي وحداثة صيدها وتركيز حمام الصباغة ومدته وطبيعة المادة الأولية المراد صباغتها وبعد تغطيس مواد النسيج الأولية (صوف، حرير، قطن، كتان) في حمام الصباغة, تجفف في الهواء لتتحول المادة الملونة بالأكسدة إلى مادة صباغية لا تنحل في الماء ولا تتأثر بالضوء.

وأشار الباحث السيد إلى أنه عثر في المدفن الملكي في قطنة والمؤرخ بعصر البرونز الحديث على قطع صغيرة جداً من القماش خضعت خلال آلاف السنين إلى عملية تمعدن نادرة الحدوث جداً في العالم فقد تحولت المادة العضوية المؤلفة من ألياف إلى جص بالكامل ولم يعد من الممكن تمييزها في اللون والتركيب عن الطبقات الأرضية الرسوبية ولكن يمكن بواسطة المجهر مشاهدة ألوانها الوضاءة وبنيتها النسيجية الناعمة وهذا ما يمنح المنسوجات الأثرية المكتشفة في سورية صفة التفرد والتميز عالمياً.

وبحسب الدكتور السيد تؤكد المعطيات الأثرية وتحليل بقايا الملابس الحريرية المكتشفة في تدمر ودراسة خصائص ومزايا هذه الملابس وأسلوب نسجها وصول الحرير التدمري إلى معظم بلدان القارة الأوروبية ما يؤكد شهرة المنسوجات الحريرية السورية عالمياً منذ القرون الميلادية الأولى فيما تؤكد بقايا المنسوجات الحريرية المستوردة من الصين والتي تم العثور عليها في عدد من القبور السليمة في سورية والمؤرخة بنهاية القرن الثاني الميلادي أهمية تجارة الحرير التي قامت بين سورية والصين في عهد أسرة هان ودور سورية في نشر صناعة الحرير في منطقة الشرق الأدنى وأوروبا منذ القرن الثاني الميلادي، وتصنف المنسوجات الحريرية الصينية المكتشفة في تدمر كأقدم المنسوجات الحريرية التي تم اكتشافها في الشرق الأدنى.

وقال الباحث السيد إن دراسة المنسوجات الحريرية الصينية المكتشفة في تدمر تدل على أنها كانت تنسج على أنوال ذاتية الحركة في حين أن مثيلاتها في الشرق الأدنى صنعت يدوياً بما في ذلك حواشي الثياب المطرزة بالرسوم.

استورد السوريون الحرير الخام من الصين وقاموا بتحضيره بأسلوبهم الخاص

استورد السوريون أيضاً الحرير الخام من الصين وقاموا بتحضيره بأسلوبهم الخاص وتدل كثرة بقايا الملابس الحريرية المكتشفة في مدافن تدمر وحلبية مقارنة بما عثر عليه في أوروبا على مدى توافر مادة الحرير في تدمر في عصر كان فيه الحرير نادراً جداً في أوروبا وقد عثر في أوروبا على نماذج تدمرية من المنسوجات الحريرية أهمها اكتشف في مدينة كولونيا في ولاية شمال الراين “فيستفالن في غرب ألمانيا” وكان منسوجاً حريرياً بأسلوب التويل على شكل معينات وله حواش أرجوانية من الصوف المغزول على شكل حرف (زد) إلى جانب خيوط ذهبية تحيط بالخيوط الحريرية.

وتابع الباحث السيد كما عثر على نماذج أخرى مشابهة في قبور هولبورن في انكلترا وكونتي في سويسرا وقبر القديس بولينوس في مدينة ترير في ألمانيا والتي تقع عند ملتقى ثلاث دول ألمانيا وفرنسا واللكسمبورغ علما أن معظم المنسوجات التدمرية كانت تنسج بخيوط حريرية مستقيمة وربما كان القسم الأكبر منها من أصل صيني إلا أن النموذج بلحمة أرجوانية أصيلة هو نسج سوري محلي.

وخلص المؤرخ السوري إلى أن إتقان العمل هو القيمة التي تبنى بها الأمم وترتقي بها المجتمعات وتحقق من خلاله التقدم والتطور والرقي فحياة الإنسان واستمرارها على الأرض مرهونة بالعمل والعمال اللذين يشكلان قوام الحياة والمجتمعات المتطورة والمتقدمة تنجز أعمالها بنفسها ولا تعتمد على غيرها.

ونعومة الملابس السورية المصنوعة من خيوط مغزولة بشكل ناعم جداً ومن مادة أولية عالية الجودة والمتميزة بنقشاتها الملونة ذات التشكيلات الهندسية الأنيقة وصباغتها بالأرجوان الأصلي المتدرج الألوان لأول مرة في العالم تؤكد ريادة العمال السوريين عالمياً في صناعة النسيج.

عماد الدغلي

 تابعوا آخر الأخبار عبر تطبيق تيلغرام على الهواتف الذكية عبر الرابط:

https://telegram.me/SyrianArabNewsAgency

تابعونا عبر تطبيق واتس أب:

عبر إرسال كلمة اشتراك على الرقم 0940777186 بعد تخزينه باسم سانا أو (SANA).

تابعوا صفحتنا على موقع (VK) للتواصل الاجتماعي على الرابط:

http://vk.com/syrianarabnewsagency

انظر ايضاً

بمناسبة عيد العمال… تكريم 50 عاملاً في المدينة الصناعية بحسياء

حمص-سانا بمناسبة عيد العمال وتقديراً لجهود الطبقة العاملة كرم اتحاد نقابات عمال حمص 50 عاملاً …