كنز «إسرائيل» الاستراتيجي

ما معنى قرار المغرب إرسال وحدات عسكرية إلى الإمارات، وقبلها إرساله فريقاً عسكرياً إلى السعودية متكوناً من نخبة متخصصة في التدخل السريع لمواجهة خطر ما يسمى «داعش» في إطار حشد الدعم الدولي لما يزعمون أنه مواجهة للإرهاب..

وإذا كان تفسير المغرب أن هذه المبادرة -كما يدّعي- تدخل ضمن استراتيجية شمولية واستباقية ضد التهديدات المباشرة المتكررة التي تستهدف المغرب علناً مفهوماً في ظلّ التخوّف الدولي من تمدّد الإرهاب، فإن الغرابة تكمن في حديث جاء متأخراً لمصدر يكشف فيه تورّط المغرب في ولادة ما يسمى «داعش» بأمر من السعودية و«إسرائيل» وتركيا وأميركا سنة 2011، وفيما جاء في مخطط التطبيق «الداعشي» على كلّ من سورية والعراق وليبيا لتخويف وترهيب الشعب العربي في هذه الدول وإثارة الفوضى فيها وسريان مخطط التقسيم خدمةً للاستراتيجية الأميركية التي تنضوي كلّ السيناريوهات التدميرية والتقسيمية تحت مظلّتها، وبدعم من حلفائها، وأحدها خلق هذا التنظيم الذي أتى دوره الآن في تنفيذ الأجندة المرسومة له وفق السيناريو المتبدّل حسب الطلب الاستعماري المصنّع.

فما يقوم به المغرب اليوم، وهو يدّعي تأسيسه للمخطط المعنون بـ«حذر» لمواجهة الإرهاب، ليس ذرّاً للرماد في العيون، وإنما هو أعمق من ذلك بكثير، وخاصة أن المغرب -كما نعرف- كان ومنذ بداية أحداث ما يسمى «الربيع العربي» بمنأى عن «ثوراته» العاصفة ببعض الدول سواء في هذه المنطقة أو في شمال إفريقيا، وكان، وما زال، وسيظلّ الاستثناء في المنطقة العربية، حسبما تنبأت الصحف الأميركية آنذاك، ومنها «الواشنطن بوست»، و«النيويورك تايمز».

وإذا نظرنا اليوم إلى ما أعلن عنه تحت مسمّى مشروع «قانون مناهضة التطبيع» الذي يقدمه المغرب بصفة ملكه رئيساً لـ« لجنة القدس» دفاعاً عن القضية الفلسطينية، في ظل ما تكشّف من حقائق تورّطه في خلق ما يسمى «داعش» الإرهابي نجد أنه يبرز فيه أحد أشكال التوافق بين سياساته الداخلية وسياساته الخارجية كي يُنظر إليه من خلالهما، حيث تنظر إليه واشنطن على أنه صديق حميم لـ«إسرائيل» من جهة، وينظر إليه شارعه على أنه مناصر للقضية الفلسطينية من جهة أخرى، ومن هنا -وحسب تحليل معهد أميركي- يبدو أن اقتراح مشروع قانون مع عدم تمريره قد يكون وسيلةً فعالةً لتحقيق الهدفين معاً.

إذاً، كل ما يُعلن، لا يحمل إلا وجهين هما: النفاق والازدواجية اللذان يمارسهما المغرب بسياساته، مع أن الغرب يراعي في هذه السياسات بعضاً من رغبات شعوبه، لكن أغلبية الحكومات العربية ليس في عملها إلا النفاق والخديعة فقط..

والتساؤل الذي يثيره إرسال المغرب وحدات عسكرية الى كلّ من السعودية، والإمارات، تثيره مملكة آل سعود أيضاً بادّعائها محاربة الإرهاب الذي يحمل وجهي النفاق والازدواجية أيضاً، فظاهره محاربة «داعش»، وهو أمر مضحكٍ مبكٍ أن يسارع مَنْ خلقه  لمحاربته، وثانيهما حماية العرش الملكي في ظل فوضى الصراع على الحكم الذي استدعى تكثيف الوجود الأمريكي بين قصور الأمراء، وفي الوقت نفسه إبداء استعداد السعودية التام والمعلن لدعم وتدريب ما سمتها أميركا «المعارضة المعتدلة..!!» الإرهابية في سورية..

أما لماذا المغرب؟!، فلأن «إسرائيل» الصديقة القديمة له حريصة من خلال بيعها الأسلحة له، وعقدها الصفقات معه وقد فاقت التصور في الآونة الأخيرة، على أن تجعل من المغرب القوة الضاربة عسكرياً في شمال إفريقيا، لأنه الكنز الاستراتيجي لها، المخبّأ لكل ما يجري في المنطقة، من أدوار كانت غير معلنة، والآن بدأت تظهر بالازدواجية المقدرة للمواقف في الظاهر والباطن.

ونضيف إلى ذلك أن الإرهابيين المغاربة المتدفقين إلى سورية يشكّلون الخزان البشري الثاني بعد إرهابيي السعودية الذين ينضوون تحت لواء مايسمى «داعش» الذي يشكل رأس الحربة المتقدّمة للسعودية ودول التآمر على المنطقة، و تحديداً على سورية.

وما ينبغي التنبّه له، أيضاً، الدور الذي يؤديه المغرب لكون ملكه رئيساً للجنة القدس من حيث تنفيذ وتسريع عمليات التهويد في القدس العربية، للوصول بـ«إسرائيل» إلى «دولة» يهودية، بين دويلات مقسّمة، طائفياً وداعشياً، ضمن مخطط التقسيم الذي لم تخجل كلّ السيناريوهات الغربية من إظهاره، وتحديد أهدافه وغاياته ومراكزه وحدوده.. مستخدمةً المَلِكَيْن، وليس المملكتين: المغرب والسعودية اللذين يظهر أنهما وجهان لعملة إسرائيلية واحدة، لهما الدور المرسوم نفسه في هذه المنطقة، مع ما يسمى قوات تحالف المؤامرة بين اليوم والغد..

بقلم: رغداء مارديني