عواصم-سانا
تستمر الصحافة العالمية بتسليط الضوء على الاحتجاجات الشعبية الفرنسية التي تواصلت للأسبوع الثالث على التوالي ضد سياسات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الاقتصادية الفاشلة التى أثارت غضب عشرات آلالاف من العمال والمتقاعدين والفقراء مشيرة إلى أن تلك الاحتجاجات أظهرت خيبة أمل كبيرة من سياسات ماكرون على الصعيد الداخلي وستنعكس بشكل كبير على البلاد.
الاحتجاجات التي شهدتها مختلف المناطق الفرنسية منذ السابع عشر من الشهر الماضي وشارك فيها عشرات آلالاف ممن أصبح يطلق عليهم حركة “السترات الصفراء” ضد رفع أسعار الوقود وزيادة الضرائب ورفع تكاليف المعيشة أضحت معضلة بالنسبة لـ ماكرون الذى أطلق كثيرا من الوعود والمبادرات منذ توليه الرئاسة فى أيار عام 2017 لكنه لم يحقق منها شيئا.
صحيفة واشنطن بوست الأمريكية قالت في مقال لها اليوم: “إن سكان المدن الصغيرة الواقعة على سفوح الجبال شمال شرق فرنسا يشعرون بالغضب نتيجة رفع أسعار الوقود لأن السيارات الخاصة هي الوسيلة الوحيدة للمواصلات كما يشعرون بالسخط على سياسات الرئيس ماكرون لأنهم يرونه كجزء من زمرة النخبة التي لا تهتم بطريقة عيشهم”.
ونقلت واشنطن بوست عن أحد سكان تلك المناطق الجبلية قوله: “إنه شارك في الاحتجاجات نهاية الأسبوع الماضي لأن ماكرون لا يهتم بالفقراء في بلاده” مضيفًا: “لقد أطلقنا على ماكرون اسم رئيس الأثرياء”.
ولفتت الصحيفة إلى اعتراف ماكرون بأن السياسة الفرنسية لم تفعل الكثير لمعالجة تكاليف المعيشة في المدن الفرنسية الكبرى.
من جانبها رأت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية أن الاحتجاجات الشعبية جعلت ماكرون يقوم بحملة ضد هذه التحركات لحماية برامجه المؤيدة للأعمال التجارية من زيادة الغضب الشعبي ضد حكومته.
وقالت التايمز البريطانية: “إن احتجاجات باريس التي بدأت ضد ارتفاع أسعار الوقود تحولت إلى خيبة أمل واسعة من رئاسة ماكرون مع هبوط شعبيته إلى أقل من 30 بالمئة ما يشير جزئيا إلى ارتكابه أخطاء سياسية”.
الصحيفة بينت في مقال بعنوان “ايمانويل ماكرون يواجه أكبر تحد خلال رئاسته” أنه منذ انتخاب ماكرون توقع الكثيرون أن تنهار طموحاته لإصلاح فرنسا كما حدث مع سابقيه على مدى 30 عاما لافتة إلى أن قرار ماكرون خفض الضرائب على أرباح الأسهم والمدفوعات الاجتماعية للشركات تم النظر إليه من الناحية الاقتصادية كخطوة لتحفيز الاستثمار وتشجيع التوظيف ولكن عدم مصاحبة ذلك لتخفيضات على الضرائب المفروضة على العمال والفقراء روج لفكرة كونه رئيسا للأغنياء فضلا عن لهجته التي تبدو متعالية وبعيدة عن عامة الشعب ومشكلاتهم.
وحذرت التايمز من أن تعامل ماكرون مع الاحتجاجات سينعكس بشكل كبير على فرنسا بشكل خاص وأوروبا بشكل عام مشيرة إلى أن المستفيد الأكبر من فشل ماكرون في تلك المهمة سيكون اليمين المتطرف أو أقصى اليسار.
صحيفة “الغارديان” البريطانية قالت: “إن الصعوبات التي يواجهها ماكرون تكمن في أنه أخذ على حين غرة مع بدء مظاهرات السترات الصفراء في شوارع فرنسا بشكل عفوي بعيدا عن القادة والنقابات والأحزاب السياسية” مبينة أن حكومته فشلت في إحباط ثورة الفرنسيين ضد الضرائب التي يمكن أن تكون نقطة تحول خطيرة يصبح من الصعب جدا معها إعادة غضب الناس إلى الزجاجة في بلد مثل فرنسا مع ارتفاع الضرائب إلى جانب نظام الإنفاق العام العالي.
ورأت الصحيفة أن هذه الأزمة حادة بشكل خاص بالنسبة لماكرون لأن التحذير كان موجودا بالفعل في الانتخابات الرئاسية الفرنسية العام الماضي والتي شهدت فوزه على ماري لوبان زعيمة اليمين في ظل مستوى عال من الامتناع عن التصويت والاشمئزاز من الطبقة السياسية والشعور بالظلم وعدم المساواة في النخبة السياسية التي ينظر إليها بأنها منفصلة عن العمال العاديين في الحياة اليومية والذين كانوا حاضرين جميعهم في الانتخابات التي فاز فيها على لوبان ب 10 ملايين صوت.
أكثر من 130 فرنسيا أصيبوا واعتقل المئات خلال قمع شرطة ماكرون للاحتجاجات السلمية بالغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت وخراطيم المياه خلال الأسابيع الماضية فيما أعلنت حركة السترات الصفراء أنها ستجدد تحركاتها السلمية فى الثامن من الشهر الحالي داعية المتضامنين معها للخروج إلى الشوارع لـ إسقاط ماكرونفي وقت أظهر فيه أحدث استطلاع للرأى أن أكثر من ثلثى الفرنسيين يؤيدون هذه الحركة.
وتأتى هذه الاحتجاجات الشعبية فى وقت تواصل فيه شعبية ماكرون تراجعها في أوساط معظم الفرنسيين الذين يرون أنها تصب فى مصلحة الشركات والأثرياء فقط دون أن تعالج المشكلات الرئيسية المطروحة فى فرنسا بينما يرى مراقبون أنه يسير على خطا سلفه فرانسوا هولاند الذى سجل أدنى مستوى للشعبية وذلك نتيجة الفشل الذريع الذي واجهته سياساته على مختلف الصعد الداخلية والخارجية.