الفرنسيون والتخمة الإعلامية “الماكرونية”

يبدو أن الظهور الإعلامي المفرط للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وسعيه للاستحواذ على وسائل الإعلام كافة لم يعد محتملاً لدى الإعلام الفرنسي كما هي الحال بالنسبة لأغلبية الفرنسيين, الأمر الذي دفع وسائل الإعلام إلى تنظيم يوم إعلامي من دون ماكرون وذلك في 16 تشرين الثاني القادم تزامناً مع اليوم الذي أعلن فيه ماكرون ترشحه للانتخابات الرئاسية عام 2016.

وعليه سيمر يوم كامل على الفرنسيين في راحةٍ دون أن يسمعوا أو يقرؤوا حرفاً واحداً عن ماكرون، فالصحفيون سيمتنعون عن نشر أي صورة أو خبر أو تعليق إيجاباً كان أم سلباً عن ماكرون وتحركاته, بغية مساعدة الفرنسيين على التخلص من ظهوره المكثّف في وسائل الإعلام والذي يمثل- كما يؤكدون- خطراً على ديمقراطية الإعلام في فرنسا.

وما يصيب الفرنسيين بالتخمة هو أنه لا يكاد يمر يوم واحد دون أن تكتسح أخبار ماكرون وسائل الإعلام برمتها بشكل أصبح مفروضاً على الشعب الفرنسي، في محاولة باتت مكشوفة للهيمنة على الكثير من وسائل الإعلام وتوظيفها لتلميع صورة ماكرون أمام الرأي العام الفرنسي والعالمي.

وفي المقابل, يرى الفرنسيون أن على ماكرون بدل «التمظهر» الإعلامي طوال اليوم أن يعمل على حل الملفات الاقتصادية والاجتماعية العالقة, وإيجاد حلول جادة للأزمات المتتالية التي تلاحقه منذ وصوله إلى الإليزيه والتي هوت بشعبيته إلى أدنى مستوياتها وسط غضب شعبي يتفاقم يوماً بعد يوم.

كما يطالب الفرنسيون ماكرون بالقيام بإصلاحات حقيقية ليست على شاكلة «الإصلاحات» التي يروّج لها منذ حملته الانتخابية والتي يراها الفرنسيون انقلاباً اجتماعياً حقيقياً على المكتسبات كافة التي حققها العمال على مدى عقود, ناهيك بأن هذه الإصلاحات من شأنها أن تعمّق الفوارق الاجتماعية وتزيد أعداد الفقراء الذين يبلغ عددهم تسعة ملايين في خامس أكبر دولة صناعية بالعالم, ما يرسخ القناعة الموجودة في الشارع الفرنسي وهي أن «إصلاحات» ماكرون تخدم الطبقة الغنية فقط، الأمر الذي سيزيد من حدة الاحتقان الشعبي.

ورطة ماكرون مع الغضب الشعبي ليست أقل حدة من ورطته مع المعارضة التي استعادت أنفاسها واستطاعت أن توجّه ضربات موجعة لماكرون بدءاً من طرحها مذكرتين لحجب الثقة عن الحكومة في آب الماضي بهدف منع ماكرون من الإعداد بكل أريحية لولاية ثانية, وليس انتهاء باعتزامها تحويل الانتخابات الأوروبية المقررة في أيار القادم إلى استفتاء ضد ماكرون.

بقلم صفاء إسماعيل