التلوث البيئي بحمص كابوس يؤرق الجميع

حمص-سانا

تعاني محافظة حمص من كابوس التلوث الذي بات يؤرق المواطنين وينذر بخطر داهم تفاقم مع سني الأزمة وانشغال الجهات المعنية عنه رغم أنها طالما وعدت بايجاد حلول جذرية لمشكلة بيئية خطيرة عمرها ‏عشرات السنين مصادرها متعددة ‏وتشابكاتها معقدة.‏

ولا يخفى على أحد حتى المعنيين بالأمر الخطر البيئي لمخلفات شركة ‏الأسمدة التي تعد اكبر تجمع صناعي في المحافظة والوحيدة المختصة بإنتاج الأسمدة الآزوتية والفوسفاتية في سورية مع ‏اعتراف كل المعنيين فيها بأن التلوث الصادر منها قائم ومستمر ‏وتضاف إليها شركة مصفاة حمص علاوة عن باقي المنشآت الصناعية “السكر والألبان ‏والزيوت النباتية” ومنصرفات الصرف الصحي التي تجد في بحيرة قطينة ومجرى ‏نهر العاصي المنفذ الوحيد لتصريف ملوثاتها مع عقم بعض محطات المعالجة وقدم بعضها ‏وانعدام الفائدة المرجوة منها ناهيك عن انتشار المنشآت الصناعية الصغيرة بشكل عشوائي نتيجة ‏الأزمة.

“أنا مع فكرة نقل معمل الأسمدة إلى بادية حمص” هذا ما يؤكده المهندس طراف مرعي ‏مدير عام شركة الأسمدة بحمص وهو أحد سكان بلدة قطينة المجاورة للشركة التي تعاني من أكبر مصدر للتلوث في سورية رغم تقديم سكانها على مدى عشرات السنين مئات ‏الشكاوى لتخليصهم من هذا الخطر دون جدوى.

مرعي أوضح في حديث لـ سانا أن معامل الشركة ملوثة للبيئة وبكل ‏المقاييس لكونها تتعامل بالمواد الصلبة والسائلة والغازية وملوثاتها تشمل الغبار ‏والحموض والغازات ناهيك عن أن صيانتها مكلفة جدا وخاصة عمليات المعالجة البيئية حيث إن كل منصرفات الشركة تصب في نهر العاصي ما تسبب بزيادة نسبة السمية فيه نتيجة قلة غزارته وانخفاض منسوب بحيرة قطينة بسبب الجفاف في المنطقة.

“لقد فقدنا الأمل بإمكانية حل مشكلة التلوث الناجمة عن معمل السماد” هذا ما قالته المهندسة نادية ‏وهبة رئيسة بلدية قطينة مضيفة.. قدمنا عشرات الشكاوى والطلبات ‏لحل المشكلة دون جدوى وسمعنا وعودا بنقل المعمل إلى مناجم الفوسفات وحتى الآن لم نر شيئا على أرض الواقع.

وأشارت وهبة إلى أن التلوث دائم صيفا شتاء في الهواء والتربة وحتى المياه الجوفية حيث إن جميع آبار البلدة غير ‏صالحة للشرب أو سقاية المزروعات.

مصفاة حمص هي الأخرى لها نصيب من التلوث البيئي لكونها تضخ ‏منصرفاتها في نهر العاصي مع قدم وحدة المعالجة فيها حيث يؤكد مديرها العام المهندس هيثم ‏مسوكر أن الشركة بصدد دراسة استجرار المياه من أعالي العاصي الى المصفاة مباشرة ‏للتخفيف من كلفة معالجة المياه المستجرة من النهر والتي تقدر سنويا بـ 300 مليون ‏ليرة وبالتالي الحصول على مياه كافية للتشغيل كما تسعى إلى تطوير وحدة المعالجة الموجودة ‏لديها حاليا.

وتشير نتائج مراقبة نوعية مياه نهر العاصي للشهر الماضي بحسب مديرية ‏الموارد المائية ومحضر اللجنة المشكلة 8789 ومهمتها رصد التلوث وتحديد ‏مصادره ونوع الزراعات الممكن تنفيذها إلى ارتفاع بعض المؤشرات الأساسية المعبرة عن ‏درجة التلوث في مراصد الغنطو ومحطة المعالجة ومخرج المصفاة منها “ياو دي” أي الاحتياج ‏الحيوي للأوكسجين المعبر عن درجة التلوث العضوي الذي يتراوح بين 42 و83 بينما الحد المسموح به يبلغ “36” بي او دي في تقييم مياه المسطحات والمجاري في سورية.

كما بين الفحص ارتفاع مؤشر “سي او دي” أي الاحتياج الكيميائي للأوكسجين المعبر عن درجة التلوث العضوي والصناعي إلى 125 درجة في حين الحد المسموح يبلغ 100 درجة إضافة إلى زيادة مؤشر الفوسفات “بي او فور” إلى ‏‏13 بينما الحد المسموح 1 و يعتبر من الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى موت الانهار وتدني جودة ‏المياه والموت الحيوي لها وانخفاض قيمة “دي او” أي الأوكسجين المنحل ويعتبر المعيار ‏الأساسي لقدرة المجاري والمسطحات المائية على التنقية الذاتية وعند نقص تركيزه تصبح ‏الكائنات المائية والأسماك عرضة للطفيليات والأمراض.

وأهم ما أوصت به اللجنة المذكورة التي تضم ممثلين عن مديريات الموارد ‏المائية والصحة والبحوث الزراعية والزراعة والبيئة واتحاد الفلاحين وشركتي المصفاة ‏والأسمدة بحمص ضرورة مراقبة الخطة الزراعية في المواسم القادمة للأراضي الواقعة ‏على ضفاف العاصي علما أن أغلب المزروعات حاليا يتم ريها بطريقة مخالفة وتنصح اللجنة ‏بعدم زراعة الخضار التي تؤكل نيئة “بقدونس ونعنع وخيار وبندورة” في وقت سمحت فيه مديرية الزراعة في حمص بالزراعات البعلية فقط.

بدوره أشار مدير شؤون البيئة بحمص المهندس طلال العلي إلى التأثير السلبي الكبير ‏على البيئة جراء الأزمة وتضرر مساحات هائلة من الغطاء الأخضر وتلوث المياه نتيجة ‏صعوبة التحكم بالمنصرفات مبينا أن المديرية ليس لديها ‏حاليا إمكانية لتحديد مؤشرات التلوث غير أن تلوث العاصي على أشده ‏اليوم بسبب ضعف غزارة مياهه والتعديات عليه إضافة إلى الملوثات الناجمة عن الصرف الصحي في التجمعات السكانية والقرى المنتشرة ‏على ضفافه من الدوير حتى الرستن وتوقف تنفيذ مشاريع محطات المعالجة منذ ‏عام 2010.

وأشار العلي إلى أنه تتم حاليا إعادة تأهيل محطات قياس تلوث ‏الهواء الثلاث التابعة للمديرية والتي تعرضت للتخريب والضرر وخلال شهرين سيتم وضعها مجددا بالاستثمار وريثما يتم ذلك ‏ستضع المديرية قريبا المحطة المتنقلة بالخدمة بعد تاهيلها وهي عبارة عن سيارة ‏مجهزة بمخابر لرصد كل ملوثات الهواء وإجراء كل التحاليل الكيميائية والجرثومية بالتعاون مع مخابر مديرية الموارد المائية حيث تم رصد الملوثات التي ‏مصدرها منصرفات المصفاة من مادة “السلدج” أي نفايات المنصرفات وتم توجيه عدد من ‏الكتب إلى إدارة المصفاة بضرورة تشغيل محطة المعالجة بكفاءة عالية ومنع تجمع ‏المنصرفات والنفايات في مستنقعات بجوار المصفاة.

وفيما يتعلق بمعمل الأسمدة أوضح العلي أن مشكلته قديمة جديدة فمنذ ‏عشرات السنين تم طرح أفكار بخصوص إما تحديث تقنية المعمل أو تنفيذ ‏اشتراطات بيئية وتشغيل محطة المعالجة بكفاءة عالية للمنصرفات السائلة والانبعاثات الغازية.

ولفت العلي إلى أن توقف تنفيذ محطة المعالجة المركزية في ‏المدينة الصناعية بحسياء خلال سنوات الأزمة كان له أثره السلبي على البيئة ولا سيما مجرى وادي ‏الربيعة الذي يمر بمحاذاة الآبار المغذية لمدينة حمص والتاثير على المياه الجوفية حيث تفيد ‏نتائج التحاليل التي جرت مؤخرا للآبار المستثمرة وعددها 9 من أصل 10 آبار بارتفاع بعض المؤشرات للمواد الملوثة لثلاث آبار بينما المؤشرات لباقي الآبار بسيطة ويمكن معالجتها.

ووفق عدد من الكتب الموجهة من مديرية الموارد المائية بحمص إلى الجهات ‏المعنية بالمحافظة فقد اظهرت نتائج التحاليل لمياه العاصي تراجعا في نوعية مياهه بسبب المنصرفات الصناعية من المصفاة ومعمل السماد والمدينة الصناعية إضافة إلى ‏منصرفات الصرف الصحي غير المعالج للوحدات الإدارية التي تصرف في نهر العاصي ‏وبحيرة قطينة مباشرة وبناء عليه قامت الضابطة المائية بتنظيم الضبوط اللازمة بحق الجهات ‏المخالفة وإحالتها إلى القضاء المختص.

وأوضح المهندس اسماعيل اسماعيل مدير الموارد المائية بحمص أنه تم التعامل مع نتائج التحاليل وفقا لقانون التشريع المائي وتقوم العناصر الفنية بإجراء ‏المراقبات الدورية والقياسات والتحاليل لنهر العاصي بدءا من دخوله الأراضي السورية في ‏العميري وحتى نهاية الحدود الإدارية لمحافظة حمص في الرستن حيث يزداد خطر ‏المنصرفات الصناعية مع قلة الواردات ونقص ‏غزارة مياهه جراء الجفاف بالمنطقة.

ولفت اسماعيل إلى أنه مع بداية العام الحالي لوحظ ‏وجود كميات من المواد النفطية في منصرفات المصفاة باتجاه نهر العاصي وتمت ‏مخاطبة المصفاة أكثر من مرة لوقف صرفها وتم إعلام المحافظة والبيئة ومجلس المدينة ‏بخطورة وجود مواد نفطية تؤدي زيادة نسبة وجودها في مياه العاصي إلى أضرار كبيرة ‏على جميع الكائنات الحية وتسبب الأمراض المزمنة والمسرطنة بسبب ارتفاع قيمة الـ “سي او ‏دي” علما أن البقع النفطية ظاهرة بالعين المجردة.

وأوضح اسماعيل أن زيادة نسبة بعض المؤشرات مثل ‏النترات قد تسبب أمراضا مثل متلازمة الأطفال الأزرق وتتطلب إزالة التأثير السلبي ‏للمواد النفطية على التربة إجراءات خاصة من كشط وقلب وتبديل التربة إضافة إلى خطر تلك المنصرفات على الحياة المائية من موت للأسماك بسبب نقص الأوكسجين ‏المنحل وكل ذلك يهدد بكارثة بيئية.

وبحسب اسماعيل تتوجه مديرية الموارد المائية بحمص بعشرات الكتب الدورية على مدار العام إلى الجهات المعنية في المحافظة وإلى المنشآت الصناعية وذلك بخصوص نتائج تحاليل منصرفات المنشآت الصناعية ‏التي تصرف إلى البيئة المائية حيث تبين النتائج ارتفاع في قيم الـ “سي او دي” و “بي او دي” ‏و”بي او فور” عن الحدود المسموح بها للصرف إلى البيئة المائية حسب المواصفة القياسية ‏السورية ما يهدد بكارثة بيئية.

وبخصوص واقع منصرفات المدينة الصناعية في حسياء أوضح مديرها العام الدكتور بسام ‏المنصور أنه يجري العمل حاليا على إعادة العمل بمشروع ‏محطة المعالجة المركزية وبلغت نسبة تنفيذها نحو 59 بالمئة مؤكدا على أهمية المحطة ‏كمشروع حيوي واستراتيجي مهم يسهم في الحفاظ على البيئة والصحة العامة لكونها ترمي إلى ‏معالجة مياه الصرف الصناعي بطريقة الأكسدة الطبيعية من خلال تخفيض الملوثات والوصول إلى الحد المسموح به وفق المواصفة القياسية السورية رقم 2752 لعام 2008 والتي ‏تسمح بري المزروعات العلفية والحراج والمسطحات الخضراء وبطاقة استيعابية تبلغ 5500 ‏متر مكعب باليوم.

وعزا المنصور أسباب التلوث الحاصل في وادي الربيعة إلى منصرفات عدد من ‏البلديات المجاورة والنشاط الاقتصادي الكبير فيها إضافة إلى منصرفات دواجن حمص ‏وصهاريج مجهولة الهوية والرشاحات السائلة الناجمة عن النفايات الصلبة التي تقوم بالقائها ‏القرى والتجمعات السكانية المجاورة ومنصرفات المنشآت الصناعية الواقعة على طريق عام ‏حمص دمشق. ‏

ورغم كل الكتب المتبادلة بين الجهات والشركات المعنية بحمص لا يزال موضوع ‏التلوث البيئي قائما ومستمرا ولم يلمس المواطن أي تغيير ولا يزال الجميع بانتظار تنفيذ الوعود التي ‏بحسب مؤشرات الواقع الراهن لن تتحقق في السنوات القليلة القادمة.

عبد الحميد جنيدي وتمام الحسن