بلطجة أمريكية

في خطوة كيدية غير مفاجئة على طريق تمرير ما يسمى «صفقة القرن», قررت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دمج القنصلية الأمريكية العامة في القدس المحتلة مع السفارة الأمريكية, لتأتي هذه الخطوة في سياق التوجه الذي تعتمده الإدارة الأمريكية لشطب الخصوصية الفلسطينية الذي بدأ بالاعتراف بالقدس المحتلة «عاصمة» لكيان الاحتلال الإسرائيلي, ثم نقل السفارة إليها، وما تبع ذلك من وقف المساعدات للسلطة الفلسطينية وقطع التمويل عن وكالة «أونروا» في محاولة لشطب قضية اللاجئين ومن ثم حق العودة.

سبعون عاماً والقنصلية الأمريكية في القدس المحتلة بمنزلة سفارة بحكم الأمر الواقع للفلسطينيين ترتبط مباشرة بوزارة الخارجية الأمريكية، في إشارة ترمز إلى أن واشنطن كانت تعترف ضمنياً بوجود هوية فلسطينية يقتضي التعامل معها بصورة منفصلة عبر هيئة دبلوماسية خاصة, أما دمج القنصلية بالسفارة اليوم فيعد بمنزلة اعتراف أمريكي بالسيطرة الإسرائيلية على فلسطين كلها بما فيها القدس والضفة الغربية, وإنهاء للوجود المستقل بالتعامل مع الفلسطينيين.

هذه البلطجة السياسية التي تزامنت مع تأكيد مسؤولين أمريكيين أنه سيتم قريباً الإعلان عن «صفقة القرن»، تعني أن هذه الصفقة ستجرد الفلسطينيين من معظم حقوقهم إن لم يكن كلها، خاصة بعد سلسلة القرارات والإجراءات الأمريكية المتساوقة مع سياسة حكومة الاحتلال العنصرية.

ناهيك بأنه لم يعد خافياً على أحد أن ضم القنصلية جاء رداً على تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار يجيز للسلطة الفلسطينية ترؤس «مجموعة الـ77 والصين» لعام 2019. ومن المعروف أن هذه المجموعة تتابع القضايا التي تهمها وتتصل بمصالحها المشتركة وبذلك فهي تمثل -عدا عن وزنها البشري باعتبارها تمثل معظم سكان العالم- صوتاً وازناً عندما تلتقي حول مصالح وقضايا ذات شأن دولي.

وعليه فإن منح موقع قيادي في هذه المجموعة لفلسطين كدولة مراقب في الأمم المتحدة يعزز التعامل الدولي مع فلسطين كمشروع دولة قادمة, الأمر الذي لا تستسيغه سلطات الاحتلال الإسرائيلية ما دفع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للرد سريعاً بدمج القنصلية بالسفارة وجعلها قناة التواصل الوحيدة مع الفلسطينيين.

مهما كانت نيات واشنطن والكيان الإسرائيلي, فإن هذا الإجراء الاستفزازي لن يغير شيئاً في هوية القدس باعتبارها مدينة فلسطينية محتلة وعاصمة أبدية لدولة فلسطين, كما لن يغير شيئاً في الموقف الفلسطيني الرافض لـ«صفقة القرن»، بل يؤكد بالدليل القاطع أن الإدارة الأمريكية فقدت أهليتها كوسيط في «عملية السلام» بعد أن انحازت بشكل أعمى للسياسة العدوانية التي ينتهجها الاحتلال الإسرائيلي, ووضعت نفسها في خندق العداء للشعب الفلسطيني وحقوقه العادلة.

بقلم صفاء إسماعيل

انظر ايضاً

الإرهاب والأكاذيب الأمريكية!-بقلم: محي الدين المحمد

يعتقد المسؤولون الأمريكيون أنهم يستطيعون السيطرة على العالم والتحكم بقرارات الدول والتلاعب بالرأي العام