دمشق-سانا
في أقل من عشر دقائق كان ثلاثة أطفال أصغرهم طفلة عمرها سنتان يجلسون في مكتب رئيس مركز شرطة معرض دمشق الدولي في الوقت الذي كانت جدة تتسلم حفيدتها وأم استعادت طفلها بينما كانت شابة تنتظر مجيء والدتها ليتحول المركز إلى نقطة التقاء التائهين في زحام المعرض ليستعيدوا ليس فقط أحباءهم وإنما الطمأنينة والابتسامة مجددا وليكملوا رحلة المعرض.
هي أمور من طبيعة عمل مخافر الشرطة ولكن في معرض دمشق الدولي وتوافد مئات الآلاف خلال ساعات محدودة يواجه عناصر الشرطة ضغطا هائلا بالقيام بمهامهم بمنتهى المسؤءولية والسرعة المطلوبة.
بهدوء شديد يستقبل الرائد دحام البشار مدير ناحية المليحة ومسؤول مركز شرطة مدينة المعارض الوافدين إليه من أطفال تائهين وأهالي ملتاعين قائلا:”لا مشكلة.. كل شيء سيكون على ما يرام خلال دقائق” ما يبعث شعورا بالاطمئان والهدوء لدى الجميع.
وتمت الاستعانة بأكثر من 300 عنصر إضافة إلى رفد المركز بعدد من الضباط من شرطة دمشق وريفها يعملون على مدار الساعة ويتوزعون على مجموعات في كامل أرض المعرض لحماية السور ومدخل المعرض والبناء الخارجي والأجنحة والمسرح إضافة إلى الاحتفاظ بعشرات العناصر جاهزين للمؤازرة عند بروز أي مشكلة تفرض نفسها بشكل طارئء بغية تقديم الخدمة للزائرين وتوفير الراحة والأمان لهم.
تشكر أمل محمد “26 سنة” عناصر الشرطة قبل أن تغادر المخفر قائلة:”أمي اتصلت بي وعرفت مكانها” وتحكي أمل من بلدة الحسينية كيف تاهت عن والدتها “أمي سيدة مسنة يصعب عليها المشي في الزحام تركتها ترتاح في أحد الأمكنة لاشتري عصيرا وعندما رجعت لم أجدها لذلك قصدت مركز شرطة المعرض للمساعدة”.
تغمر أم محمد القادمة من مساكن برزة الفرحة وهي تمسك بيد طفلها الذي أعادته عناصر الشرطة بعد أقل من نصف ساعة فتقول:”من شدة الزحام.. لم أعد أراه.. الحمد لله لم يغب عني طويلا” فيما الفتى غسان زاهر عواضة 12 سنة من خيارة دنون بمنطقة الكسوة جنوب دمشق جاء مع أسرته وأقربائه “40 شخصا” كان برفقة والدته وخالته عندما وجد نفسه وحيدا يقول: “مررت بشرطي وطلبت منه المساعدة وجاء بي إلى المخفر وطمأنوني أنهم سيجدون أهلي وهنا يقاطعه أحد الضباط قائلا:”إذا لم نجد أهلك فسوف نصطحبك إلى منزلك”.
واستقبل المعرض في أيامه العشرة ما يزيد على مليوني زائر ومع ذلك لم تسجل أي واقعة أمنية وجميع المشكلات كانت في الإطار الطبيعي لعمل عناصر الشرطة كما يؤكد الرائد دحام مضيفا أن أكثر الضبوط تدور حول “فقدان أطفال لأهاليهم أو العكس أو أشياء مادية مثل فقدان هاتف خليوي أو حقيبة أو هوية وهناك بعض حالات النشل” وهي من طبيعة العمل اليومي لمخافر الشرطة لكن في المعرض مع الحشود الكبيرة يتطلب الوضع “حالة استنفار خلال الزيارة من اليقظة والحذر والانتباه للأجسام الغريبة والاهتمام بالزائر وجعل الناس يشعرون بالأمان وأننا سنلبيهم عندما يتوجهون إلينا”.
وأكثر الأيام التي شكلت ضغطا هي أيام العطل لتوافد العائلات وكان يوم الجمعة الأعلى بوصول عدد الزائرين الى نصف مليون زائر.. حضور مئات الآلاف خلال ساعات محدودة لا يشكل إرباكا لعناصر الشرطة وإنما زخما في العمل ويؤكد الرائد دحام أنه “رغم ضغط العمل نشعر بالسعادة لأن المعرض هو دلالة كافية على عودة الأمن والأمان وانتصار سورية على الإرهاب”.
إلى جانب بعض المشكلات لم يخل الأمر من بعض المفارقات الطريفة إذ يروي الرائد دحام أنه في أحد الأيام حضرت مجموعة من الصبايا باكيات يطلبن الإسراع بالبحث عن صديقة لهن اختفت أثناء حضورهن إحدى الحفلات وبصراحة استنفرنا على وقع الزخم الذي شعرنا به من الشكوى بأن صديقتهن الشابة 17 سنة ليس معها خليوي ولا تعرف القراءة وقادمة من بلدة مسكنة بريف حلب ليتبين بعد ذلك أنها سبقتهن إلى البيت.
وعلى شاكلة هذه المواقف هناك من يحتاج أكثر أن يجمعه عناصر الشرطة بقريب له تاه عنه في المعرض يضيف الرائد دحام بأن امرأة عجوزا دخلت إليه وبادرته بالقول:”يا روح خالتك ضيعت أولادي فقلت لها استريحي وسنبحث عنهم فتقول لكن ليس معهم مال للعودة إلى البيت” وفي أحد الأيام جاء رجل مسن من بلدة الغزلانية بريف دمشق طالبا إيصاله إلى الباب الخارجي للمعرض وعندما كلف أحد العناصر لاصطحابه قال:”لو توصلوني فليس معي مال لأعود إلى بيتي” يبتسم الرائد متابعا حديثه “بالتأكيد نستجيب للمساعدة من منطلق أخلاقي وإنساني.. صحيح أن عملنا تطبيق القانون وتسجيل الضبوط ولكن الجوانب الإنسانية تطغى على عملنا في مثل هذه المواقف وغيرها”.
ومع الضغط الكبير لا يتسنى لعناصر الشرطة زيارة الأجنحة يقول الرائد دحام:”انتهى المعرض ولم أزر أي جناح”.
يقف الشرطي محمد إلى جوار المسرح يجول بعينيه ذهابا وإيابا على حضور صاخب ملأ المكان يستمتع بحضور حفلة غنائية.. يقول محمد الذي يتولى إلى جانب مجموعة من زملائه مهمة حفظ النظام في مسرح مدينة المعارض أثناء الحفلات الغنائية:”نرشد الزائرين إلى لتقيد بالتعليمات تجنبا للفوضى.. تحصل أحيانا مشاجرات بسيطة يتم فضها فورا وإذا استدعى الأمر نقوم بإبعاد الشخص المسبب للمشكلة خارج المنطقة في حال لم يلتزم الهدوء”.
وفي مثل هذا الحضور الكبير يكشف محمد بأن الأمر لا يخلو من بعض الضغوطات تصل أحيانا إلى أن “نفقد أعصابنا في حالة بعض المعجبين الذين يصرون على محادثة المطرب فيتسببون بازدحام شديد يؤخر وصوله إلى المسرح” ومع كل ذلك المواقف الطريفة تبقى حاضرة “أحد المعجبات بالفنان بهاء اليوسف أصرت على الصعود إلى خشبة المسرح وعندما حاول الشرطي إبعادها سقطا معا على الأرض فكان المشهد مضحكا” معلقا “كثافة الحضور ورؤية الناس يعيشون الفرح ورغبتهم بتخطي فترة الحرب تشعرنا بالسعادة”.
شهيدي عجيب