المناهج الرسمية في مدارسهم رغم الإرهاب… معلمو الغوطة: الدولة لم تتخل عن تعليم أبنائنا

دمشق-سانا

“قسموا المدارس بين تابعة للدولة وأخرى تابعة لما يسمى الائتلاف وكنا ندرس مناهج التعليم الرسمية لآخر لحظة” قد يستغرب أي شخص يسمع هذه العبارات من معلمي الغوطة الهاربين من إجرام التنظيمات الإرهابية في الغوطة الشرقية ولكنه دليل جديد على أن أبناء سورية متمسكون بنهج دولتهم التي لم تتخل عن خدمة أبنائها في كل المجالات ولاسيما التعليمية منها حتى وهم قابعون مجبرون تحت سيطرة الإرهابيين وفق شهادات الأهالي والمعلمين.

تفاصيل كثيرة أسرها العديد من معلمي الغوطة لفريق سانا الذي التقاهم في مركز الحرجلة للإقامة المؤقتة فمنهم من ذكرها علناً أمام الكاميرا ومنهم من فضل عدم الكشف عن اسمه لكنهم باحوا لنا بطرق التعليم التي كانوا يتبعونها سراً أو علناً لتعليم أبنائهم بدعم من مديريات التربية في ريف دمشق وريفها وكيفية تهريبهم لكتب مناهج التعليم الرسمية لتدريس الأطفال رغماً عن التنظيمات الإرهابية التي حاولت إيقاف التعليم في مدن الغوطة حيث نجحوا في عدد من المدارس لكنهم لم يستطيعوا اجبار الجميع.

وبقيت مدارس حمورية وحزة وسقبا وجسرين وغيرها من البلدات تثبت إرادة السوريين على متابعة الحياة.

وبانفعال المعلم المستعد لتقديم أغلى ما يملك في سبيل إيصال رسالته توكد المعلمة أميرة حمزة من حمورية بنبرة صوتها الحادة أنهم منذ السنوات الأولى لسيطرة الإرهابيين على مناطق الغوطة رفضت مع زملائها أن يتوقفوا عن التعليم في مدارسهم رغم الخلافات والمشاجرات التي نشبت بينهم وبين عناصر تنظيمي “فيلق الرحمن” و”جيش الإسلام” الإرهابيين الذين حاولوا إغلاق المدارس أو إجبار المعلمين على التعليم في مدارس أنشأها ما يسمى “الائتلاف” لكن المعلمين رفضوا واستمروا بالذهاب إلى مدارسهم بالتوازي مع ضغط الأهالي المدنيين الذين اصروا على تعليم أبنائهم.

هذا الإصرار أدى للكثير من العواقب حيث بدأت التنظيمات المسلحة التضييق على كوادر المدارس وحرموهم من الحطب للتدفئة في الشتاء وقطعوا عنهم الكهرباء ومنعوا عنهم المساعدات الإغاثية التي كانت تصل إلى الغوطة وفقاً للمعلمة حمزة التي تتابع “كانوا يسموننا مدارس الدولة” لأننا لا نخضع لأوامرهم.

وكان في الغوطة بشكل عام 206 مدارس لمختلف مراحل التعليم الأساسي والثانوي قبل انتشار التنظيمات الإرهابية فيها منها ما يقارب 10 مدارس في حمورية موزعة بين ثانويتين واحدة للذكور وأخرى للإناث وما تبقى لمرحلة التعليم الأساسي وفق المعلومات التي حصلت عليها سانا من مديرية تربية ريف دمشق.

ولم يكن الأمر في بلدة حزة التي تمتلك 6 مدارس أفضل حالاً فمع إصرار المدرسين على تعليم مناهج التعليم الرسمية” علناً أو سراً” كانوا يتعرضون لسرقة الكتب أو منعهم من إدخالها عندما كانوا يخرجون لقبض رواتبهم من مديرية التربية في ريف دمشق خلال سنوات 2013 و2014 و2015 لكن الإرهابيين منعوهم من الخروج منذ عام 2016 وأغلقوا جميع الطرقات.

ولم ينفك المعلمون الخارجون عن القول بأن “الدولة لم تتخل عن تعليم أبنائهم” وهو ما يوضحه مدير التربية في ريف دمشق ماهر فرج في تصريح لمراسلة سانا بقوله “كنا نزود مدارس الغوطة الموجودة في الخدمة بالكتب المدرسية حتى لا ينقطع الطلاب عن التعليم وعملنا على تسهيل عملية دخول وخروج كوادرنا التدريسية لتقديم أوراقهم وقبض رواتبهم التي لم تتوقف أبداً إيماناً بدور الدولة الراعي لأبنائها في كل مكان من الأراضي السورية لكن في بعض الأوقات لم يكن يستطيع المدرسين الخروج بسبب ممارسات التنظيمات الإرهابية الإجرامية”.

مدرسة اللغة الإنكليزية هنادي الطير من مدرسة علي فتحي اللحام في حزة قالت لمراسلة سانا “كمعلمين ومديري مدارس مثبتين وظيفياً لدى الدولة كنا نخرج لقبض رواتبنا ونأخذ معنا بيانات المعلمين الكفلاء الذين لم يتوقفوا عن العمل وعندما نعود نحضر معنا كتب مناهج التعليم الرسمية فيوقفنا عناصر جيش الإسلام على المعابر ويصادرون نصف الكتب التي معنا وأحياناً يأخذونها كلها ويمنعوننا من إدخالها إضافة لجلسات الاستجوابات التي يخضعوننا لها في كل مرة نخرج ونعود”.

وفي إحدى المرات وبغضب شديد صرخ بعض المعلمين على عناصر من تنظيم جيش الإسلام الإرهابي وهم يقولون لهم “إذا كنتم ضد الدولة فلماذا تأخذون كتبها” وفق المعلمة الطير التي تتابع بنبرة استهزاء “كانوا يأخذون الكتب ليدرسوها في مدارسهم لأنهم لا يستطيعون إنشاء مناهج جديدة جميعهم جهلة وتفكيرهم مشغول بالقتل والذبح والسرقة والمال”.

ورغم فترات الانقطاع المتفاوتة خلال السنوات الماضية عن المدارس استمر عدد من معلمي الغوطة بالتدريس حتى بداية الفصل الأول من عام 2018 إلا أن سوء الأوضاع في مناطقهم أدى لتوقف القدرة على المتابعة كما توضح إحدى معلمات بلدة جسرين “أصبحت الكتب التي بحوزتنا ضئيلة جداً واعتمدنا على كتابة الدروس على السبورة والطلاب ينقلونها كاملة على دفاترهم ليتمكنوا من قراءتها في بيوتهم ما شكل إرهاقاً للطلاب ولنا وأصبحت ظروف المدارس سيئة جداً نتيجة ضغط الطلاب الحاصل في بلداتنا إثر نزوح أهالي جوبر وحرستا ومرج السلطان إلى بلداتنا إضافة إلى ازدياد تضييق المجموعات الإرهابية علينا فاضطررنا للتوقف خلال الأشهر الماضية”.

بعض المدرسين حاول تهريب كتب مناهج التعليم الرسمية إلى الغوطة عن طريق السلل الغذائية التي كان يرسلها لهم معارفهم القاطنون في دمشق أو التي كانت توفرها لهم المجالس المحلية في بلداتهم بالتنسيق مع مديريات التربية حسب تصريح إحد مدرسي الرياضيات من منطقة سقبا الذي يضيف “إضافة للمناهج السورية أرسلت لنا اليونيسف كتب تعليم ذاتي للمساعدة لكنهم رفضوا إعطاءنا إياها بحجة أنها ليست مخصصة للتعليم”.

ولا يخفي مدرس الرياضيات رسالته لوزارة التربية بوضع خطة تنظيمية لمدارس ريف دمشق في الغوطة لأنها تشهد منذ زمن حركة فوضوية بالتعليم وضرورة تثبيت المدرسين الوكلاء في المناطق التي تم تحريرها بالغوطة من الإرهابيين لأنهم يمتلكون خبرة جيدة في هذا المجال ولهم سنوات طويلة في القطاع التعليمي.

ويختلف الوضع في بعض المدارس بسقبا وكفربطنا ودوما حيث معظم المدارس كانت تابعة لتنظيمي جيش الإسلام وفيلق الرحمن الإرهابيين وكان المعلمون في تلك المناطق يضطرون للتدريس فيها تحت ضغط السلاح والتجويع وحرمانهم من الخروج نهائيا لدمشق لقبض رواتبهم إضافة للضغوط الممارسة عليهم بطريقة التعليم… تقول إحدى معلمات بلدة سقبا “كانوا يجبروننا على إلغاء مادة القومية والفلسفة وكل درس يحوي أفكاراً عن إنجازات الدولة ويتدخلون حتى في دروس الأطفال وطريقة إعطائها وفق أفكارهم الداعشية”.

الكثير من الأهالي في تلك المناطق توقفوا عن إرسال أبنائهم للمدارس التابعة لما يسمى “الائتلاف” خاصة من هم بصفي التاسع والبكالوريا خوفا على أولادهم من القتل العشوائي أو الضرب في الطريق إلى المدرسة أو إجبارهم على الخروج في المظاهرات وسحبهم من حصصهم الدراسية أو تدريسهم فقط ما يفرضه ما يسمى “الائتلاف” عليهم وفق معلمة من كفربطنا رفضت الكشف عن اسمها… وتضيف “بالنسبة للفتيات كنا نخاف عليهن من التحرش الجنسي بقوة السلاح وحصل هذا كثيراً ولذلك أصبحنا نعلم أبناءنا في المنازل”.

وفي بلدة كفربطنا 6 مدارس “ثانويتان و4 للحلقة الأولى والاعدادية” وفي سقبا 13 مدرسة أما في بلدة جسرين فيوجد 7 مدارس “ثانوية للبنات ومدرستان للمرحلة الاعدادية و4 مدارس حلقة أولى”.

روشان الشيخة من مدرسة جسرين أولى للبنات اوضحت أنهم كانوا ينسقون مع المجالس المحلية في المنطقة لرفع أسماء الطلاب الذين ينجحون أو يرسبون في صفوفهم لمديرية تربية ريف دمشق ويعتمدون على أقاربهم في تثبيت أوراق اعتمادهم في دمشق وتوضح زميلتها المعلمة هنادي الطير “أول مرة خرجت فيها منذ سنوات تركت أوراقي لدى أختي القاطنة في مساكن برزة وأصبحت تقدم لي الأوراق في كل عام ولكن كثيرين لم يكن لديهم أحد ولم يتمكنوا من تجديد أوراق اعتمادهم”.

مع تأكيداتهم القوية على إصرارهم للعودة إلى بلداتهم ومتابعة التعليم في مدارسهم طالب معلمو الغوطة الخارجون من حجز التنظيمات الإرهابية وزارة التربية بتسهيلات لتسوية أوراق المعلمين الكفلاء منهم الذين لم يستطيعوا الخروج خلال السنوات الماضية لتثبيت أوراق اعتمادهم وقبض رواتبهم وتسهيل إجراءات حصولهم على نسخ من شهاداتهم الثانوية والجامعية لأن معظم أوراقهم احترقت أو سرقت نتيجة ممارسات التنظيمات الإرهابية مبدين استعدادهم بهمة عالية للتدريس في مدرسة مركز الحرجلة التي سيتم افتتاحها الأسبوع القادم بالتعاون مع مديرية التربية بريف دمشق لاستيعاب كل التلاميذ والطلاب من أبناء الأسر التي خرجت من الغوطة الشرقية والمقيمة في مركز الإقامة بالحرجلة ريثما يعودوا لبلداتهم.

ندى عجيب