دمشق-سانا
تسير فنزويلا بخطى ثابتة نحو تجاوز الأزمات التي تواجهها وعين الولايات المتحدة تراقب بحذر مراحل انهيار مخططاتها ضد هذا البلد الذي أثقلته بكل أنواع العقوبات ودأبت على التدخل في شؤونه الداخلية رغم الإدانات الدولية الواسعة لتلك الممارسات المخالفة للقوانين الدولية.
“تقدم كبير دون التوصل إلى اتفاق” هو عنوان الجولة الجديدة من المحادثات بين وفدي الحكومة الفنزويلية والمعارضة والتي استضافتها جمهورية الدومينيكان على مدى الأيام الثلاثة الماضية في مسعى لمعالجة الأزمات التي تواجهها فنزويلا.
وأعلن أعضاء الوفدين أنهم قطعوا شوطا كبيرا في المحادثات التي شارك فيها ممثلون عن بوليفيا وتشيلي والمكسيك ونيكاراغوا لكنهم يحتاجون مزيدا من الوقت للتوصل الى نتائج تفضي إلى اتفاق لمعالجة الأزمات مبينين أنه سيتم عقد جولة جديدة من المحادثات الخميس القادم.
من جهته أبدى رئيس جمهورية الدومينيكان دانيلو ميدينا الذي أشرف على المحادثات تفاؤله بشأن التقدم الذي تم إحرازه وقال في مؤتمر صحفي عقب انتهائها “رغم إحرازنا تقدما كبيرا جدا ما زالت هناك مسائل معلقة يتعين بحثها”.
ووفق محللين ومتابعين للشأن الفنزويلي فإن الحكومة الفنزويلية تطالب المعارضة بأن تعمل على رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على البلاد والتي تمنعها من التفاوض على قروض جديدة إضافة إلى إعادة هيكلة الديون الخارجية بينما تتركز مطالب المعارضة على إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية إضافة إلى تطبيق شروطها” لضمان إجراء انتخابات رئاسية”.
وأكدت الحكومة الفنزويلية مرارا أن محاولات التدخل الأمريكي في الشؤون الداخلية للبلاد عبر معارضتها اليمينية تأتي ضمن محاولة واشنطن المستميتة لإحياء مخططاتها للهيمنة على هذا البلد الذي يمتلك ثروات نفطية هائلة والانقلاب على الرئيس الشرعي نيكولاس مادورو باستخدام جميع الوسائل بما فيها العنف والفوضى.
وأقر مايك بومبيو مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية “سي آي ايه” بتدخل بلاده غير الشرعي في شؤون فنزويلا وتورطها في مؤامرة خطيرة ضدها تشمل العمل على تغيير الحكومة الفنزويلية مؤكدا أنه “يتمنى بشدة حدوث انتقال سياسي في فنزويلا” وذلك في اعتراف واضح لا لبس فيه حول محاولات الولايات المتحدة التدخل في شؤون دول أخرى بما يتسق مع السياسات الأمريكية القائمة على حياكة المؤامرات واختراع الحجج الكاذبة للتدخل في دول أخرى.
وفي رده على محاولات التدخل في شؤون بلاده شدد الرئيس مادورو على تمسك فنزويلا بالنهج التحرري على خطا سيمون بوليفار الذي جدد نهجه الزعيم الفنزويلي الراحل أوغو تشافيز وبالدفاع عن استقلالها الوطني في مواجهة مخططات الإمبريالية التي تحاول من خلال ما تثيره من فوضى في العالم القضاء على خصوصيات الشعوب.
وندد مادورو بالعقوبات أحادية الجانب التي تفرضها الولايات المتحدة على بلاده قائلا “إن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب معتدية وإن العقوبات تشكل ابتزازا أمريكيا يستهدف إخضاع فنزويلا للهيمنة الأمريكية.
كما انتقد وزير الخارجية الفنزويلي خورخي أريازا العقوبات مؤكدا أن الجيش الفنزويلي لن يخضع أبدا لأي سلطة خارجية واصفا القوات الأمريكية التابعة لحكومة ترامب بالإمبريالية والعدائية المتسلطة.
وشهدت فنزويلا خلال الأشهر الماضية احتجاجات قادتها المعارضة المدعومة من الولايات المتحدة وأدت إلى مقتل عشرات الأشخاص كما عملت هذه المعارضة منذ حصولها على الأغلبية البرلمانية خلال الانتخابات التي جرت في كانون الأول عام 2015 على تدمير الإرث الذي تركه الرئيس الراحل أوغو تشافيز عبر سلسلة مشاريع وقرارات من بينها قانون عفو عن السجناء المؤيدين لها والمتورطين بجرائم اقتصادية وجنائية لكن محكمة العدل العليا ألغته لأنه يشمل مخالفات تندرج في إطار الجريمة المنظمة وغير مرتبطة بجرائم ذات طابع سياسي.
ودفع التصعيد الذي مارسته المعارضة الرئيس مادورو إلى الدعوة في تموز الماضي إلى انتخاب جمعية تأسيسية بصلاحيات واسعة بما فيها حل البرلمان وإعادة صياغة الدستور بهدف وضع حد للأزمة السياسية والاقتصادية في البلاد حيث فاز في الانتخابات معسكر الرئيس مادورو.
ولقي موقف الحكومة الفنزويلية المتمسك بقرارها ونهجها الوطني المستقل دعما دوليا واسعا حيث شددت روسيا على لسان المتحدثة باسم وزارة خارجيتها ماريا زاخاروفا على أن العقوبات الأمريكية ضد فنزويلا تهدف إلى الإخلال بتوازن هذا البلد وتعميق مشكلاته الاقتصادية مجددة رفض موسكو الحازم لفرض عقوبات أحادية الجانب ضد دول ذات سيادة.. بينما أكد التحالف البوليفاري لشعوب القارة الأمريكية “البا” الذي يضم الاكوادور وفنزويلا وكوبا وبوليفيا ونيكاراغوا وثلاث دول من الكاريبي دعمه القوي لفنزويلا في مواجهة المخططات الأمريكية وإدانته العقوبات التي تفرضها واشنطن وعدد من حلفائها عليها وتستهدف من خلالها حياة الشعب الفنزويلي وتنميته.
ويرى محللون أن التقدم الجديد الذي تحدث عنه رئيس جمهورية الدومينيكان يؤسس لردم الفجوة بين الحكومة الفنزويلية والمعارضة والاقتراب أكثر من الوصول إلى قواسم مشتركة للبناء عليها وبالتالي إقرار اتفاق شامل يخرج البلاد من أزمتها الاقتصادية ويسهم في التوافق حول الانتخابات الرئاسية المقررة في كانون الأول القادم والتي أعلن الرئيس مادورو ترشحه لها مؤكدين أنه في حال إحراز تقدم جديد على طريق الحل النهائي وهو ما يأمله الفنزويليون فإن ذلك سيوجه ضربة قاصمة للولايات المتحدة وسياساتها التوسعية في أمريكا الجنوبية التي تعتبرها واشنطن حديقتها الخلفية والتي أفشلتها نهضة فنزويلا حيث استطاعت عبر تمسكها بمبادئ الثورة البوليفارية أن تجعل المنطقة مستقلة وذات هوية وسيادة بعكس ما يرغب الأمريكي.
جمعة الجاسم