الفوضى «الخلاقة» التي يعيشها العالم اليوم تنفيذاً للإستراتيجية الأمريكية، لا تقتصر على فوضى القتل والتدمير وإرهاب الشعوب الآمنة، وإنما تتعداها إلى فوضى القرارات والبيانات والمصطلحات، بل إلى فوضى مقصودة في التعابير والمفاهيم وإساءة تفسير النصوص بشكل لم يسبق له مثيل في العلاقات الدولية.
لدينا اليوم ثلاث وثائق تؤكد هذه الفوضى في التعامل مع القانون الدولي والذي من المفروض أن يحكم العلاقات الدولية ولو بالحد الأدنى، الوثائق هي خطة أوباما وبيان اجتماعي جدة وباريس، وفي الحقيقة لا ضرورة لتحليل بيان جدة لأن الأتباع لا يشذون عن إستراتيجية أوباما الواردة في خطته، أما بيان باريس فهو يتميز بعض الشيء في بعض نقاطه العشر، وذلك بسبب مشاركة روسيا والصين فيه، فهو يؤكد على القرار الأممي 2170 ومرجعية مجلس الأمن في محاربة الإرهاب، وكذلك لا يتعرض لسورية نصاً ويكتفي بالقرار المذكور الذي يتعلق بسورية والعراق معاً، لكن أغلبية بنوده الأخرى تتطابق مع وجهة النظر الأمريكية، النقاش الحقيقي هو حول خطة أوباما المؤلفة من أربع فقرات:
1- لم تذكر الخطة قرار مجلس الأمن 2170 ما يؤكد محاولات واشنطن للتفرد في المنطقة، علماً أن القرار المذكور لا يفوّض أي دولة أو مجموعة دول بتنفيذه كما أن المادة 42 في الفصل السابع تؤكد أن مجلس الأمن هو الذي يقرر التدابير العسكرية وليس دولة بعينها.
2- حتى إن مجلس الأمن مجتمعاً لا يجوز له انتهاك سيادة سورية قانونياً، لأن المادة 42 من الفصل السابع التي تتحدث عن التدابير العسكرية ضد من يهدد السلام والأمن الدوليين هي مادة إجرائية، بينما القرار 2170 هو قرار حكم وهو يؤكد احترام سيادة سورية والعراق واستقلالهما بشكل واضح وصريح والإجراء يستند إلى الحكم وليس العكس، إضافة إلى أن القرار يؤكد احترام مقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه وهذا النص المبدئي أقوى من الإجراءات حكماً.
3- أكدت الخطة على «قيادة أمريكا للعالم»، فمن فوضها بذلك؟ إن هذا الإدعاء يعتبر انتهاكاً فجّاً لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي، خاصة مبدأ «السيادات المتساوية» للدول.
4- إن الخطة في فقرتها الأولى تؤكد على التنسيق مع الحكومة العراقية، لكنها لا تذكر ذلك بخصوص سورية ولو أردنا الدقة للاحظنا أن النص يترك الباب مفتوحاً، حيث يقول أوباما حرفياً: «لن أتردد بالعمل ضد «داعش» في سورية كما في العراق»، ولما كان التنسيق الأمريكي قائماً في العراق فهذه الجملة تحتمل أن العمل في سورية سيكون بالتنسيق مع الحكومة السورية، الحديث هنا عما يحتمله النص لا عن النيات.
صحيفة تشرين