استثمار في الدمار

مريبٌ ذاك التناغم والتزامن الفاضح بين “مُشمِّري السواعد المفتولة” لإعمار سورية من الخارج، وبين السيناريوهات التي يجري إعدادها في أروقة السياسة الأمريكية وكواليسها العربية، بخصوص التعاطي مع ملف الإرهاب في سورية..

والمريب أكثر لعبة خلط الأوراق، التي تسم آليات تسويق الملفين على المستوى الدولي، ونحن على يقين من أن جرعة عالية من الاستفزاز ستعصف بأعصاب كل متابع موضوعي، ولو غير سوري، لتفاصيل كلا المسألتين، اللتين ملأتا الدنيا وشغلتا الناس، كما يبدو من الصخب الإعلامي والصدى الصادر عن تقليب أوراقهما ومتعلقاتهما..

فالعاشر من الشهر الجاري كان يوم “حبكة المؤامرة”.. إنه أربعاء طبخ السم لسورية، من اجتماع جدة، إلى إعلان باراك أوباما في خطابه لتفاصيل خطة كانت أكثر غموضاً من الخطة ذاتها، إلى تقرير”الإسكوا” الأسود، بخصوص تكاليف الأزمة في سورية، وفاتورة إعادة الإعمار!!..

إنه “إعمار سورية”، العنوان الذي انشغلت به مجموعات دولية تبدو أشبه بعصابات سطو واحتيال عابرة للقارات، تطغى على أفرادها ملامح “الخواجات” وأصحاب الياقات البيضاء، وليست “الإسكوا” صاحبة الخصوصية في هذا المظهر التنكري، بل هناك مجموعة تروّج لمشروع “ماريشال سورية”، وأخرى في دبي سال لعابها لدسم مفترض في سورية، وكلها رؤوس دميمة لـ “حيتان” تأخذها رائحة المال، كما الحيوانات المفترسة التي تستشعر رائحة الدماء حيث كانت.

تقرير “الإسكوا” يتحدّث من بيروت عن أرقام خسائر سورية جراء الأزمة، بمبالغات وحسابات فانتازية وصياغة، لا يصعب على من يتابعها استنتاج هوية من صاغ، لأنه عوّدنا على ضروب “شلف” الأرقام، عندما كان يتحدّث عن الوعود التنموية في سورية، حينما كان يشغل منصباً تنفيذياً رفيعاً، والآن يروّج لحتمية ارتهان سورية للقروض الخارجية وشروطها، وهو الحاذق في تزيين سياسات الاقتراض، ويصنّفها ضمن سمات الدول الراقية، لكن دون الاكتراث لهوية مقدّم القرض ولا لشروطه!.

من هنا، لا نملك، كما لا يملك سوانا، تجاهل حالة الترابط الوثيق بين تصاعد وتيرة أحاديث هؤلاء عن سيناريوهات إعادة إعمار سورية، وبين ارتفاع حدّة “سعار” من ينهشون بالجسد السوري، لتتطابق معطيات الواقع فعلاً مع تقديرات حجم الأضرار وفاتورة الترميم، وإن قدّر تقرير الإسكوا خسائر الاقتصاد السوري الكلي بـ 140 مليار دولار، نجد من ينطلق، وفي ذات يوم إعلان الرقم الكاذب، ليجعله أمراً واقعاً، عبر التخطيط لنسف المزيد من البنى التحتية والاقتصادية في سورية، وعلى الأرجح في “المعارضة المعتدلة” من أنجز استعداداته للتنفيذ والانقضاض، وليست الأخبار التي رشحت عن تدريبات “حفر باطن آل سعود” إلّا فصلاً من فصول سيناريو المزج بين إعادة الإعمار وإعادة الخراب!.

أمام كل هذا الكم من أضغاث “الأحلام” يبقى تجاهل صاحب القرار الحقيقي في إعمار سورية، سفاهة ما بعدها سفاهة، فالشعب السوري هو المعني بتحديد هوية من يحق له أن يعد نفسه بحصة من “كعكة الإعمار” لأن المشروع امتياز وليس صدقة، وثمة أصدقاء نثق بهم لديهم ما يكمل الموارد المتاحة محلياً، وهي وفيرة، لمشروع بناء سورية الجديدة.

بقلم: ناظم عيد